ننشر الحلقة الثالثة عشرة من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي” للمفكر العربي علي محمد الشرفاء
في الحلقة الثالثة عشرة من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”، للمفكر العربي علي محمد الشرفاء، يتحدث المؤلف عن الخطاب الديني وكيف أنّه متعدّد المناهج والاتجاهات، وكلّ خطابٍ تختلف مضامينُه وأهدافه عن غيره، ، وكل خطابٍ يعتمد على مرجعية تختص به ، مرجعياتٌ اختلفتْ في أسانيدِها. وارتبطتْ مَفاهيمُ أصحابها بالظروفِ السياسيةِ والاجتماعّيةِ، حتى أصبحَ التشريعُ الإسلامي،مَصدرَ خِلافٍ واختلاف، نشأتْ بسببهِ نِزاعاتٌ، استمرتْ مئاتَ السّنين، وأفرزت منها في العالمِ الإسلامي طوائف عديدة وفرق كثيرة متصارعة متقاتلة، وكلها مَرجعياتٍ ومَناهج متناقضةٍ مع الخطابِ الإلهيِّ، حتى أنَّ الرواياتِ والتفاسيرَ المسمومةَ، والعددَ الهائلَ من الإسرائيلياتِ، أصبحت حقائقَ مؤكدةً وعقائدَ ثابتةً لدى الكثيرِ من هؤلاءِ المحسوبين على الفقهاءِ من المسلمين ، وإليكم الحلقة الثالثة عشرة من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”

الخِطابُ الدّينيُّ
إنّ الخطابَ الديّنيّ متعدّد المناهج والاتجاهات، وكلّ خطابٍ تختلف مضامينُه وأهدافه عن الخطاب الآخر، وكل خطابٍ يعتمد على مرجعية تختص به، فنجد على ساحة الدعوة الإسلامية خطابات دينية متعدده متناقضة، وكل منها اختزل الإسلام في دعوته .معتقداتٍ ذات توجهاتٍ مغايرة لكل منها، في المقابل نجد الخطاب الإلهي خطابًا واحدًا محدد المضمون متسق المعاني، راقيًا في الحوار، يستند للمنطق والعقل ليتفق مع الفهم المخاطَب، وهو عقل الإنسان، ذا مرجعية واحدة، خطابًا من خالق الناس لكل الناس، يدعو للرحمة والمحبة والتعاون والمساواة والعدل بين جميع البشر.
لقدْ اعتمدَ الخِطابُ الدّينيُّ على مَرجعياتٍ مُختلفةٍ ومَناهجَ متعددةٍ، متناقضةٍ مع الخطابِ الإلهيِّ، مرجعياتٌ اختلفتْ في أسانيدِها. وارتبطتْ مَفاهيمُ أصحابها بالظروفِ السياسيةِ والاجتماعّيةِ، حتى أصبحَ التشريعُ الإسلامي،مَصدرَ خِلافٍ واختلاف، نشأتْ بسببهِ نِزاعاتٌ، استمرتْ مئاتَ السّنين، وأفرزت منها في العالمِ الإسلامي طوائف عديدة وفرق كثيرة متصارعة متقاتلة، وعشرات المذاهب الدينية، لكل مذهب دعاته وأئمته، وسببت دوامة فكرية بين المسلمين وحيرة مترددة للناس في اختيار أي من المذاهب الذي يتحقق به سلامة إقامة الشعائر العبادية ومصداقية الأحكام التي يتبناها كل مذهب وأي من المذاهب يتوافق مع المنهج الإلهي.
لقد أدّى هذا إلى صراعٍ مذهبّيٍ كارثيٍ، فكلُّ طائفةٍ تعصّبت لمذهبٍ مُعيّن،وتفرّقَ المسلمونَ، فاتّبعتْ كلُّ طائفةٍ إمامًا ومعلمًا ومرشدًا، وأصبح كلُّ فريقٍ يَعتزُ بإمامِه، ويُعلي من شأنِهِ ويُقدِسُ آراءَهُ وفتاواه، ولا يَرضى بغيرهِ إمامًا، واعتمدَ الخِطابُ الدّينيُّ على أقوالٍ ورواياتٍ كاذبةٍ لتأجيج الخِلاف والصراع بين المسلمين واستمرار خلق الفتن فيما بينهم .
ولقد أفرزت المرجعياتُ الطائفّية المختلفة طوائفَا سياسيةً متعددةً، وتعصبًا أعمى أنتجَ مُتطرّفين اندفعوا دونَ وعيٍ أو ضميرٍ لاستباحةِ كلِّ القيمِ الإسلاميّةِ، فنصّبوا أنفسَهم أوصياء على الناسِ، فإذا بهم يُحاسبِونَ الناسَ على عقائِدهم ويتهمونهم بالكفرويحكمون عليهم بإقامة حدِّ الردة بالقتلِ علما بأنه لايوجد فى التشريع الالهي فى القرآن الكريم مايسمى زورا وبهتان (بحد الردة) الذى اختلق لتوظيفه سياسيا للانتقام من اصحاب الفكر المخالف لاطروحاتهم الدينية على كل مَن لا يتبع منهجِهم وما يَدعون إليه من ثقافة متطرفة وسلوكيات همجية غارقة في الجهل والتخلف والتعصب الأعمى، وما أدّى لظهورِ تلكَ الفِرقِ المتناحرةِ، هو أنَّ قوى الشرِّ استطاعتْ التغلغلَ في الفِكرِ الإسلامي، بآلافِ المفُسرينَ ورُواةِ الحديثِ ومصطلحاتٍ متناقضةٍ، تبنتها كلُّ فرقة، وبذلك تشتتتْ الأمةُ الإسلاميّة حينما أصبحَ منهجُ مستقل لكلِّ فرقةٍ منهم يتعارضُ مع الفِرقةِ الأخرى تستهدف عزل القرآن وما جاء به من قيم الحرية والعدل والمساواة والسلام عن اتخاذه مرجعًا للتشريع في المجتمع الإسلامي يحقق للناس الخير والصلاح ويزيح عن كاهلهم المستبدين والظالمين، مما يهدد امتيازات المتسلطين على المجتمعات الإنسانية والمتسلقين للسلطة الدنيوية الذين يحتكرون الثروة ويستمتعون بالجاه، ويحرمون الناس من أبسط حقوقهم الإنسانية ويحتكرون العلوم الدينية لناس محددين دون غيرهم لتتحقق لهم سلطة دينية تمنحهم السمع والطاعة عند اتباعهم ليوظفوهم في خدمة مصالحهم الانانية والدنيوية.
إنَّ الرواياتِ والتفاسيرَ المسمومةَ، والعددَ الهائلَ من الإسرائيلياتِ، أصبحت حقائقَ مؤكدةً وعقائدَ ثابتةً لدى الكثيرِ من هؤلاءِ المحسوبين على الفقهاءِ من المسلمين عندما تَم تبنّي الروايات التي دأبتْ على دَفعِ المسلمينَ طوالَ أربعةَ عَشَرَ قرنًا للتقاتلِ والتناحرِ والنزاع، واستباحت الدّماءِ وقتلِ النفسِ البشريةِ التي حَرّمَ اللهُ إلا بالحقِّ.
لقد تمَ إعلاءُ شأنِ الرواياتِ واعتبارها نصوصًا مُقدسةً، حتى طَغَتْ على آياتِ القرآن الكريمِ، فأصبحت المصدرَ الرئيسي للخِطابِ الدينيِّ بِكُلِّ ما فيها من أكاذيبٍ وأوهامٍ، وتناقضاتٍ تتعارضُ مع القرآن الكريم، فخلقتْ أسبابَ الكراهيةِ، وحرّضتْ على القَتْلِ والإساءةِ إلى الأنبياءِ والرُّسل، كَمَا تسببتْ في خْلقِ مُجتمعاتٍ جاهلةٍ منعزلةٍ في وسطِ المجتمعاتِ الإسلامية، بحُجّةِ الحِرصِ على التميّز، وبأنّهم وَحدَهُم الفرقةُ الناجيةُ، فأصدروا أحكامًا بالتّكفيرِ لكلِّ مَنْ يخالفُهم الرأيَ، وحرّضوا على قَتلهِ وهَدرِ دمهِ.
يواجه المسلمون اليوم قوليْن متناقضين في مرجعيّتهم لاستنباط التشريع الإسلامي والتفقّه في الدين، قولًا يعتمد على روايات منسوبة للصحابة، وقول الله جل جلاله الذي أنزله على رسوله في كتاب كريم ترتبت عليه قضية خطيرة خلقت حالة من التصادم بين روايات نُسبت للصحابة كُـتبت بعد أكثر من قرن ونصف القرن من وفاةِ الرسول والصحابة، وآيات الله في كتابه خلقت حيرة في العقل الذي يحاول أن يجد مَخْرجًا من حجم الروايات التي تراكمت في عقول القيادات الدينية على مر العصور والتي خلقت بلبلة في أفكار الشباب الذين يحاولون اختراق الظلمة الداكنة من الروايات التي حجبت المتنورين في استجلاء حقائق الرسالة الإسلامية واستطاعت أن تكون حاجزًا أمام عقولهم على التفكير لتحريره منها لكي يبحثوا عن بديل آخر في الخطاب الإلهي الذي أرسله الله سبحانه هداية ورحمة للناس ليستنبطوا شريعتهم منه ويتعلموا منه فضائل الأخلاق والقيم النبيلة ويتعرفوا على حقيقة رسالة الإسلام، المختطفة منذ قرون عديدة ،من القرآن الكريم.
لقد حسم الله سبحانه الأمر بقوله تعالى (اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) (الاعراف 3) بهذه الآية يأمرنا الله باتباع القرآن وحده ليكون هو المرجع الوحيد للمسلمين ليضمن لهم طريق الهداية والصلاح، ومن أجل أن يخرج المسلمون من الظلمات التي أحدثتها المرجعيات المذهبية المختلفة والمتصارعة، معتمدين على مرجعية الروايات التي فرقت المسلمين شيعًا وأحزابًا، وانصرفوا عن الخطاب الإلهي إمّا بقتال بعضهم وإما في معارك فكرية كل له حجته وتفضيل مذهبه على غيره، ويعلي من شأن المذهب الذي يتبعه لينشأ صراع فكري واستعلاء كل طرف على الآخر ويسود الغلو والتطرف الذي تسبب في صراعات دموية على مدى أربعةَ عشر قرنًا، حيث كانوا يستهَدفون النور الذي أنزلهَ الله على رسوله بقوله تعالى ﴿يُريدونَ أن يُطفِئوا نورَ اللَّهِ بِأفواهِهِم وَيَأبَى اللَّهُ إِلّا أن يُتِمَّ نورَهُ وَلَو كَرِهَ الكافِرونَ﴾(التوبه32) وليصرفوا الناس عن القرآن الكريم بمختلف الوسائل والإشاعات والإسرائيليات والروايات التى روج لها اعداء الاسلام والتي تستهدف التشكيك في الخطاب الإلهي ومحاولاتهم ترهيب الناس من دين الاسلام وابعادهم عن الدخول فيه بواسطة ماابتدعوه من حرب نفسية وأخبار ملفقة لاضعاف الدعوة الاسلامية.
ومن هنا أصبح الأمر يتطلب وقفة مسؤولة تجاه قضية المراجع الدينية، وهي مسألة ضرورية وهامة، لتصحيح المفاهيم المغلوطة في التفاسير والاستنباطات التراثية وما ترّتب عليها من طمس قيم العدالة والرحمة والسلام، والعالم اليوم في أمس الحاجة الملحة لإعادة الحقيقة المختطفة، بسبب الروايات وما سبّبته من تغيير في النفسية الإنسانية من نفس وادعة تحب الحياة وتحب الخير على الفطرة، إلى نفوس مسعورة متوحشة تكره الحياة وتكره الأمن والاستقرار للناس حينما تحوّلوا إلى شياطين تقتل بلا رحمة وتدمر بلا إحساس، وأصبحوا قنابل موقوتة تدمّر في طريقها كل شيء ملأت النفوس حقدًا وهمجية حتى أصبح خطاب الكراهية أسلوب حياة وسلوكًا تعبّديًّا عند بعض الفرق كالسلفية والوهابية والإخوان المسلمين والتكفير والهجرة والخوارج وداعش وغيرهم من الفرق الضالة المتعطشة للدماء من نفوس اتبعت الشيطان وتحولوا الى وسائل مدمرة فى خدمة اهداف أعداء الله والانسان ,
حينما اعتمد قادة الفرق الإرهابية على روايات متعددة وحكايات متواترة وافتراءات ظالمة تناقلتها كتب التراث على مدى أربعة عشر قرنًا تتناقض مع القرآن الكريم، حاملين الرايات السوداء يستمتعون بقتل الأبرياء، ويستهينون بكل القيم الإسلامية، يستحيون النساء ويسحلون الإطفال ويدمرون البيوت على ساكنيها دون رحمةٍ أو وازعٍ من ضمير، إنهم مجموعة شريرة يتضاعف أعدادها بالآلاف سعيًا وراء الوهم الموعود، جنة عرضها السموات والأرض تنتظرهم وحور عين سيستقبلونهم بالطبول والدفوف، فاقدين الواقع وما فيه من متع الحياة، يعيشون في العالم الافتراضى ويسعون خلفَ وهمٍ يخفّف عنهم معاناتهم في الحياة الدنيا ويزيد من ذلك تناولهم المخدرات التي تفقدهم السيطرة على إرادتهم وتشلّ تفكيرهم، مسخَّرين لتنفيذ أوامر قادتهم وأمرائهم، وقد حذر الله الإرهابيين بقوله سبحانه (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فساداأن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع ايديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم) (المائدة 33). أما الذين وعدهم الله بالجنة، فهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وأنفقوا في سبيل الله، واتبعوا النور الذي أنزله على رسول الله والتزموا بقيم الرحمة والعدل والسلام وحرَّموا على أنفسهم الظلم والاعتداء على الناس، وقاتلوا في سبيل الله دفاعًا عن أعراضهم وأموالهم وأوطانهم، أولئك هم فقط الذين سيكون جزاؤهم الجنة خالدين فيها، أمّا المفسدون في الأرض والمجرمون والقتلة والظالمون فقد حرَّم الله عليهم الجنة، وجزاؤهم نار جهنم خالدين فيها أبدًا لعنهم الله والملائكة والناس أجمعون، خسروا الدنيا والآخرة.
لقراءة حلقات كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي” اضغط هنا