علي محمد الشرفاء يكتب:القرآن الكريم منهاج حياة شامل لكل مكان وزمان

0

لقد أنزل الله كتابه على رسوله عليه السلام ليهدي الناس لكل ما يحقق لهم الخير والصلاح والسعادة والسلام في الحياة الدنيا ويجنبهم أهوال عذاب يوم القيامة وينذر الكافرين الذين ضلوا طريق الحق وتكبروا على آياته وإرشاده لهم إلى طريق الخير والرشاد.

فإذا اتبع المسلمون هدي القرآن وأدركوا مقاصد آياته التي تدعوهم إلى التمسك بشريعته ومنهاجه لتحقيق سعادة الإنسان في الحياة الدنيا ويكفل لهم الجزاء الأوفى يوم القيامة، وذلك من خلال الالتزام بشرعته عملًا بها وبمناجه سلوكًا في التعامل بين الناس جميعًا.

وقد وصف الله سبحانه أهداف القرآن بقوله: «إِنَّ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا» (الإسراء: 9)

إن هدف القرآن هو أن يستنبط الناس من آياته عناصر هدايته لهم الطريق المستقيم ويبين لهم السبيل لعمل الصالحات من خلال التشريعات الإلهية والمنهاج الرباني في قرآنه الكريم بدراسة لآياته وإدراك لمقاصد عظاته.

وقد أمر الله رسوله عليه السلام بمخاطبته بقوله سبحانه: «كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ» (البقرة: 151)

يبين القرآن للناس أنه ليس بالتلاوة وحدها يتحقق الإيمان حين تطرب له العاطفة وتتفاعل معه القلوب وتنشرح به الصدور؛ بل مع تلاوة القرآن يتطلب التدبر في آياته والتعرف على شريعته ومنهاجه اللذان سيطبقهما الإنسان في حياته في كل مكان وزمان بعد أن يدرك بتدبره مقاصد الآيات لمنفعة الإنسان في يومه وغده، ويعرف التزاماته تجاه خالقه بالالتزام باحترام تشريعاته التي حددت الأخطاء التي يستحق عليها الإنسان محاسبته، وتمنعه عن ارتكاب الحرائم والموبقات ومخالفة التشريع الإلهي سيترتب عليه عقوبات في الدنيا والآخرة وما سيصيب الإنسان في حياته من بؤس وضنك وشقاء.

فالتعريف بالشريعة الإلهية أمر أهم من التلاوة لتستسيغها الآذان وتطرب لها النفوس، فلم يتحقق للقارئ الابتعاد عن المحرمات وتحصينه بمعرفة التشريعات وكذلك المستمع للتلاوة لم يستفد منها غير التفاعل معها بالعاطفة وانشراح الصدر والإحساس بالروحانية.

ثم يتطلب مع التلاوة التعريف بالمنهج الإلهي في كتاب الله ليسير عليه الإنسان في حياته في كل ما يتعلق بعلاقاته مع الله في تأدية العبادات وتعامله مع الناس الأقرباء منهم الوالدين والأرحام والفقراء والمساكين وغيرهم من بني الإنسان؛ متبعًا صفات المؤمنين في الكتاب الحكيم من الرحمة والعدل والإحسان ونشر السلام والتعاون على البر والتقوى وغيرها الكثير من صفات المؤمنين التي ذكرتها الآيات ليتربى عليها الأجيال لبناء مجتمع العدل والمحبة والحياة الكريمة دون ظلم أو بغي أو عدوان بكافة أشكاله.

وليعلم الإنسان أن الله سبحانه مُطّلع على أعماله كما قال الله سبحانه: «هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (الحديد: 57)

ولذلك يجب أن يعلم الإنسان أنه رقيب على أعماله وتصرفاته في كل مكان أو زمان كما قال الله سبحانه: «إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَٰهُ فِىٓ إِمَامٍۢ مُّبِينٍۢ» (يس: 12)

إن مهرجانات حفظ القرآن لا يمكن أن تحقق للمجتمع المسلم مراد الله من قرآنه في حياتهم الدنيا والمسابقات في حفظ القرآن لن تأتي أُكُلها للناس دون تدبر الآيات ومعرفة مراد الله في كتابه من شرعة ومنهاجًا ليتم تعليم الأطفال والشباب التربية الدينية وفق المنهاج الإلهي الذي يتبع الإنسان سلوكًا ومعاملة وأخلاقًا سامية ورحمةً واحساناً وعدلًا وسلاًما؛ لتحيا المجتمعات المسلمة حياة كريمة آمنة مطمئنة لا ظلم فيها ولا بغي ولا طغيان، يعيش كل الناس فيها دون تمييز لدين أو مذهب أولون.

فالكل سواء أمام القانون والكل يعامل الناس معاملة كريمة بالكلمة الطيبة وبالرفق والإحسان، ذلك ما يجب أن تدركه المؤسسات الدينية لبناء المجتمع المسلم وتربيته على الأخلاق القرآنية إتباعًا للرسول عليه السلام في رحمته وأخلاقه وعدله وإحسانه ودعوته لحرية الاعتقاد للناس جميًعا دون إكراه للدخول في الإسلام، وفق ما علَّمه الله في قوله سبحانه تكون دعوة الناس: «ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ ۖ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ» (النحل: 125).

Leave A Reply

Your email address will not be published.