المفكر العربي علي محمد الشرفاء يكتب: ضوابط الطلاق في الإسلام تشريع إلهي يوازن بين حماية الأسرة وحقوق الزوجين

0

وضع التشريع الإلهي قاعدة “فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تشريح بإحْسَان”، ويتم تفسيره بمعنى بمجرد أن يلفظ الرجل كلمة “أنتِ طالق” يحدث الانفصال، وماذا سيكون عليه وضع الأطفال، ومن سوف يرعاهم ويؤمن أنه معيشتهم ومتطلباتهم الحياتية ولذلك اقتضت حكمة التشريع الإلهي ألا يتم الانفصال بينهما إلا وفق الضوابط التي وضعها التشريع الإلهي في أحكام الآيات المذكورة أعلاه، تفاديًا للتعقيدات والإشكاليات التي ستواجه الأم والأطفال.

 إن ضوابط التشريع الإلهي تقرر أن الانفصال يتم بالتفاهم واقتناع كلا الطرفين، حين يكون الفراق فيما بينهما يحقق مصلحتهما ويؤمن للأطفال حياة هادئة تترعرع فيها قدراتهم في جو من الاستقرار بعيدًا عن المشاحنات بين الوالدين وما تتركه من أثر على صحتهم النفسية. كما يتم ترتيب أمور كل طرف من حيث رعاية الأطفال وتربيتهم دون اللجوء للمحاكم الشرعية التي اعتمدت الفقه الموروث، واعتبرت الرجل وحده صاحب الحق المطلق، يقرر ما يشاء في حق الزوجة والأطفال.

والله سبحانه أعطى لكل منهما حق رؤية أبنائه والاطمئنان عليهم والاستمرار في تلبية احتياجاتهم بالمعروف والإحسان بعد الانفصال. ذلك ما يريده الله لخلقه من خير وتسامح ومودة لينشأ الأبناء في ظل رعاية الطرفين، حتى في حالة الانفصال لبناء الشخصية الإسلامية السليمة بتربية صحية، وبأخلاق كريمة أساسها الرحمة والتسامح وتقوى الله في التقيد بأحكام آياته في الكتاب المبين.

وقد أمر الله تعالى أن تكون المعاشرة بالمعروف، فكلما كانت البداية صحيحة وعلى أسس سليمة، كلما ابتعدنا عن منطقة الخطر وهي الطلاق. وكان ذلك في حثه على أن تكون المعاشرة بالمعروف، وصية من الله نحو معاملة النساء ورحمة بهم، وفق الأحكام التالية، حيث يقول سبحانه وتعالى: “وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا” (سورة النساء: الآية 19). ” فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بمَعْرُوفِ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَة لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (الطلاق: 2- 3)

بعد الاتفاق بين الطرفين على الطلاق والانفصال النهائي بين الزوجين، أمر الله سبحانه بأن يتحمل الزوج نفقة الزوجة أثناء الحمل حتى تضع حملها، كما يتحمل أجرة الرضاعة بعد الولادة تمشيًا مع الآيات الكريمة من سورة الطلاق قوله تعالى:” وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتْهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۚ وَأُولَاتُ الْأَحْمَال أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ذُلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ۚ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ۖ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى . لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ۖ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرِ يُسْرًا (الطلاق: 4-7)

وما شرعه الله تعالى في كتابه الكريم بشأن الزواج والطلاق، إنما يستهدف حماية الأسرة لاستكمال مهمتها في بناء المجتمع، والمفروض ألا يكون بالسهولة التي اعتمدتها المؤسسات الدينية على أساس الموروث الذي ترتب عليه تشتيت الأسرة وتشريد الأطفال، وأن أحكام الطلاق التي يريدها الله سبحانه وتعالى صارمة، تستهدف الحرص على استمرار الحياة الزوجية حفاظًا على الأسرة. وقد وضع التشريع الإلهي قاعدة للطلاق في قوله سبحانه” الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَاء وَمَن يَتَعَدٌ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُالظَّالِمُونَ” (سورة البقرة: الآية (229)

وهذه القاعدة تتعارض كلية مع ما ابتدعه أصحاب الموروث، وتتناقض كلية من حيث العدل والمقاصد الكريمة للآيات بأن الله سبحانه قد كرم المرأة، وأمر برعايتها والإحسان في معاملتها ومعاشرتها بالمعروف ولم يعط الله سبحانه للرجل السلطة المطلقة على الزوجة، بل ساوى بين الاثنين (الزوج والزوجة) في قوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلِّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَاء لَا تُضَارٌ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” (سورة البقرة: الآية 233).

فقد أعطى التشريع الإلهي هنا نفس الحق للزوجين من حيث الإرادة والرغبة لكليهما في الانفصال والتراضي بينهما، مما يؤكد على أن التشريع الإلهي ينسف القاعدة المتبعة وفق التقاليد البالية، بإعطاء الرجل سيفًا مسلطا على الزوجة والأبناء بما يسمى (الطلاق الشفهي نتيجة لفتاوى المجتمع الذكوري المتحيز للرجل، حيث تكون الأسرة بكاملها تحت رحمته مهددة بالتشرد دون مراعاة للمضاعفات المعيشية للأبناء ،والحوجة مما يتعارض مع الحقوق التي فرضها الله سبحانه على الناس، باتباع الرحمة والعدل والإحسان والتسامح وقواعد العدل في التعامل مع الزوجة. مع قوله تعالي: “وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُورًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحًا بَيْنَهُمَا صُلْحاء وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأَحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّح وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا”

تؤكد هذه الآية استنفاذ كافة الوسائل من أجل استمرار الحياة الزوجية ومنها ما تعنيه الآية الكريمة في حالة حدوث خلاف بين الزوجين ويصعب عليهما حل إشكالياته أن يتدخل أطراف أسرتيهما للسعي في تحقيق الصلح بينهما وإزالة أسباب الخلاف وتذكيرهم بمسؤولياتهم تجاه أبنائهم ورعايتهم، والله تعالى يوصي بالإصلاح بين الزوجين حتى لا تتفكك الأسرة والمحافظة عليها ولكي يتحقق الصلح بين الزوجين فقط، وضع الله سبحانه في تشريعه قوله: ” وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَاء إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا” (النساء: 35).

في الآية تأكيد بأن يتم التوافق بينهما على قاعدة المساواة في الموافقة على الصلح من أجل استمرار الحياة الزوجية.

ولو تم الالتزام والتقيد بالمفهوم المتزن والحكيم لأحكام المولى عز وجل في تشريعه، والذي بينه القرآن الكريم لانخفضت نسبة الطلاق كثيرًا عما هي عليه الآن، ولما رأينا ما نراه من مآس اجتماعية ناتجة عن ذلك من تفكك الأسرة وضياع الأبناء، وما

استتبع ذلك من آثار وتحولات نفسية قد تتسبب في الإضرار بالمجتمع ،ولا أستبعد أن كثيرًا ممن التحقوا بالمنظمات الإرهابية يعانون أمراضا نفسية كان سببها زوجين لم يراعيا حقوق أبنائهما.

Leave A Reply

Your email address will not be published.