الحلقة الرابعة من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”للمفكر العربي علي محمد الشرفاء
في الحلقة الرابعة عشرة من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”، للمفكر العربي علي محمد الشرفاء، يتحدث المؤلف عن الخطاب الديني وكيف أنّه متعدّد المناهج والاتجاهات، وكلّ خطابٍ تختلف مضامينُه وأهدافه عن غيره، وتحدث المؤلف عن الإسرائيلياتِ والروايات المكذوبة علي الرسول الكريم، وكيف أصبحت حقائقَ مؤكدةً وعقائدَ ثابتةً لدى الكثيرِ من هؤلاءِ المحسوبين على الفقهاءِ من المسلمين ، ويطالب المؤلف في هذا الجزء بتوحيد الخطاب الإسلامي من خلال الرجوع إلي الله والتمسك بكتابه القرآن الكريم معجزة الله الخالدة وترك ما سواه من أحاديث وروايات مكذوبة علي الرسول الكريم،

الخطاب الديني
إنَّ ما يواجهه العالم من إرهاب وخطر عظيم يهدّد الحضارة الإنسانية، ليعيد الإنسان إلى العصور الحجريّة الغارقة في الظلم والظلام، وباستقراء التاريخ نرى أمثال تلك الفرق كيف أغرقت العالم العربي والإسلامي في الماضي بالدماء والسبي والقتال وارتكبوا الجرائم البشعة وأذاقوا الناس ويلات الخوف والفزع، اعتمادًا واسترشادًا بروايات ما أنزل الله بها من سلطان فأصاب أمتنا العربية ما أصابها من مآسٍ وأهوال وتدمير للمدن والقرى وتحويل أبنائها إلى لاجئين بالملايين.
إنَّ استمرار الفرق الإرهابية في ممارسة جرائمها إلى اليوم يفرض علينا جميعًا البحث والتقصى في أسباب هذه الظاهرة بشجاعة، مواجهة الأعراف والتقاليد والفتاوى الشاذة التي تتعارض مع كتاب الله بصدق وبإخلاص وتقوى الله، وأنَّ ما جرى في الماضي وما يجري اليوم على العرب والمسلمين والعالم أجمع إنما هو غضب من الله على الناس لأنهم اتبعوا طريق الشيطان ولم يتبعوا هدى الله ومنهج القرآن تأكيدًا لقوله تعالى﴿ قالَ اهبِطا مِنها جَميعًا بَعضُكُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ فَإِمّا يَأتِيَنَّكُم مِنّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَهُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشَقى(123) وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكريفَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًاوَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أعمى﴾(طه 123-124)، ذلك قول الله وما أنزله على رسوله في كتاب كريم وضع الله فيه تشريعًا يتوافق مع متطلبات المجتمعات الإنسانية في كل العصور بما يحمله من قيم العدالة والمساواة والرحمة والسلام الذي لا يستغني عنها كل عصر حتى قيام الساعة وقد حفظ الله كتابه بقوله سبحانه ﴿إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ﴾ (الحجر 9)، يقابل ذلك روايات اختلف الناس في حقيقة مصادرها وأهدافها، وتعد بعشرات الآلاف من الأقوال والروايات، واستحالة التأكد من مصداقيتها بعد مرور عشرات القرون فاستطاعت أن تحتل تلك الروايات المصدر الرئيسي للتشريع في العالم الإسلامي ونتج عن ذلك استبعاد كتاب الله الذي أرسله الله للناس كافة ليكون لهم هدى ونورًا يستمدون منه تشريعاتهم، ويكون المرجع الوحيد للتشريع يستنبطون منه ما يساعدهم، من تشريعات لتنظيم أمورهم الدنيوية ويعينهم على عبادة الله وطاعته ليغفر لهم ذنوبهم ويدخلهم جنات النعيم.
فالسؤال يطرح نفسه كما يلي:
أولًا: ما هي المهمة التي كلف الله سبحانه بها رسوله عليها الصلاة والسلام؟
الإجابة: لقد كلف الله سبحانه رسوله بأن يبلغ رسالة الإسلام للناس جميعًا تأكيدًا لقوله تعالى (ياأيها الرسول بلغ ماأنزل اليك من ربك وان لم تفعل فمابلغت رسالته والله يعصمك من الناس ان الله لايهدى القوم الكافرين) (المائدة 67) يقول الله لرسوله أنك مكلف بحمل خطابى للناس كافة فى كتاب كريم تبلغه لعبادى وتبين لهم من آياتى مرادى.
ثانيًا: ما الذى أنزله الله على رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام؟
الإجابة: قوله تعالى (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ 2 إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ 3طه) لقد أنزل الله على رسوله القرآن الكريم الذى وضع الله فيه منهجا للحياة الد نيا من تشريعات وأخلاق وقيم الفضيلة وخارطة طريق للاخرة تكسب الناس رضى الله ليفوزوا بالجنة واما من اتبع هواه وخالف كتابه فيسخط الله عليه لينال عقابه يوم الحساب .
ثالثًا: ما الذى سيبلغه الرسول للناس جميعا؟ الإجابة: نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ ۖ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ)( ق 45 )وقوله تعالى (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (الإسراء 9) يبلغ الرسول كل الايات التى ترشد لخير الناس ويصلح حالهم وينذرهم لقاء الله اذا اتبعوا الشيطان وأعوانه من الانس.
رابعًا: ما جزاء الذين انصرفوا عن القرآن وأعرضوا عن تلاوته والتدبر في آياته؟
الإجابة: قوله تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) طه 124تؤكد هذه الاية بأن الله سيحرمه من الحياة المطمئنة ويعيش فى هم وكدر وشقاء اذا أعرض عن كتاب الله ولم يتبع الله فيما أمر .
خامسًا: كيفية أسلوب الدعوة التي أمر اللهُ رسولَه بتبليغ الناس بها؟
الإجابة في قوله تعالى (ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ ۖ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ) النحل 125، يوجه الله رسوله بدعوة الناس الى الدخول فى دين الله بأن يخاطبهم بالحسنى والحكمة والكلمة الطيبة دون اكراه أوتهديد وعلى الرسول البلاغ وحساب الناس عند الله يوم الحساب فاذا القرآن هو الوثيقة السماوية والخطاب الإلهي من خالق الناس موجهًا للناس جميعًا، يدعوهم للهدى والخير لما ينفعهم في الحياة والدنيا والآخرة.
إذًا ما الأسباب القاهرة والدوافع الضرورية لمخالفة أوامر الله وانصرافنا عن القرآن إلى تصديق عشرات الآلاف من الروايات مصدرًا رئيسيًّا للفقه والتشريع ومرجعا للخطاب الديني والرسول يشتكي المسلمين يوم القيامة في تأكيدالقوله تعالى:﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا القرآن مَهْجُورًا﴾ (الفرقان 30).
لقد استغل أعداء الإسلام العاطفة الدينية عند المسلمين واستدرجوا أفكارهم وأقنعوهم بروايات تداعب خواطرهم ونفوسهم واستطاعوا أن ينفذوا إلى العقول حتى أصبحت من المقدّسات فحاصروا بها العقل وجعلوا الروايات قيدًا على حريته في التفكير، وشلّوا قدرته عن التدبر باستقلالية عن النص القرآني عندما صدق المسلمون علماء الدين وشيوخه الذين احتكروا الفكر والفهم للتكاليف الدينية واختزلوا مقاصد التشريع حسب إدراكهم ونصَّبوا أنفسهم وكلاء عن الخالق سبحانه في الأرض وأوصياء على دين الإسلام، علمًا بأنَّهم جميعًا يعتمدون على كتب التراث الموغلة في القدم والتي مضى على كتابتها عشرات القرون من السنين يرددون أقوالهم دون وعي وإدراك وتدبر في مدى تطابقها مع كتاب الله ومعرفة مراد الله من آياته لخلقه.
ولقد استطاع مَن يسمّونهم شيوخ الإسلام وعلماء الدين والأئمة إقناع الناس بواسطة أتباعهم المسترزقين منهم بأنَّهم الوحيدون القادرون على فهم القرآن وتفسيره لهم، مما يعني أن يحتكروا فهم مقاصد الآيات ليتوقف العقل عن التفكر والتدبر في آيات القرآن الكريم، علمًا بأنَّ الله جعل التفكر في القرآن فريضة عين لأنَّ الله سبحانه يخاطب العقل الذي لديه القدرة على قياس الأمور ومعرفة الحق من الباطل حتى لا يستأثر بعضٌ من خلقة باختزال المعرفة وتعطيل الناس عن التفكر فيما خلق الله في كونه حين اعتمد المسلمون على مفاهيم دينية، مقتنعين بأفكار وتفاسير تصدَّر لهم من مختلف الأئمة والدعاة بالرغم من تباين المفاهيم بين العلماء أنفسهم وتناقض المصطلحات عندهم، وتعدد المرجعيات التي يتبعها كل منهم، التي مضت عليها القرون وأحاطت بها الشكوك والظنون، فلم ينصْ على اتباعهم كتاب الله وليسوا أنبياء أو مرسلين فكلنا مؤمنون بأنَّ محمدًا عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء والمرسلين وأنزل الله معه النور الذي جاء به، القرآن الكريم، وأمر المسلمين باتباعه وهو الامام الاوحد للمسلمين فلا نتبع غيره اماما ومرجعنا كتاب الله وآياته فقط فسيوسأل الانسان يوم القيامة مايلى قوله تعالى (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) الزخرف (44) السؤا الاول سيتم سؤال الناس جميعا ( هل استمسكنا بالقرآن واتبعنا تعاليمه ) والسؤال الثانى قوله تعالى (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ) الاحزاب (33) كما تبين الاات المذكورة سؤالين سيوسأل الناس يوم القيامة هلأ اتبعنا القرآ، وسؤال هل أطعنا الله والرسول فليس بينهم سؤال بشأن طاعة البخاري أو مسلم أو ابن تيمية أو ابن عبدالوها أو أي من الاساطير الشخصية الدينية سنوسأل عنهم يوم القيامة فمن أراد النجاة من العقاب والعذاب عليه أن يتبع أوامر الله فى قرآنه ويتبع رسوله فيما بلغه للناس من اآيات كريمة .
ان اتباع القيادات الاسلامية والدعوية اعتقادهمفى الروايات والايمان بها أفقدوا الإسلام إنسانيَّته، ورحمتَه وعَدلَه وتَسامُحَه، وأهدروا القَيمةَ الإنسانيةَ، التي تحقِّق المساواة بينَ الناسِ جميعًا، وَقْد قَالَ سبحانه (يأايها الناس إِنَّا خَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ الحجرات 13. تؤكدُ هذه الآيةُ وَحْدَةَ البَشَرِ ودعوتَهم للتعاونِ وكلهم متساوون في الحقوق والواجبات وأَنَّ اللهَ سُبحانَهُ هوَ الذي سَيحْكُم على أعمالِهِم، في الدَنيا، يومَ القِيامَةِ وكلهم سواسية في الحياة الدنيا أمام القانون فلا ميزة لإنسان على غيره الا بالتقوى والعمل الصالح يأمرهم سبحانه بالتعاون والرحمة والعدل فيما بينهم بقوله في كتابه الكريم (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة2)
فالله يأمر الناس بأن يتعاونوا فيما يحقّق لهم الخير جميعًا ويصلح أحوالهم ويحذّرهم مما يحرمه الله عليهم وعدم الاعتداء على الناس دون وجه حق ويحذرهم من الحساب فى عصيان أوامره.
لقراءة حلقات كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي” اضغط هنا