الحلقة الخامسة من كتاب “ومضات على الطريق العربي” للمفكر العربي علي محمد الشرفاء

0

في الحلقة الخامسة من كتاب”ومضات علي الطريق العربي ” للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي ، وهو عبارة عن دراسات ومشاريع وحلول لواقع المستقبل العربي في القرن الواحد والعشرين  بعث الكاتب برسالة مفتوحة إلى معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية تحدث فيها عن مفهوم الأمن القومي العربي في ظل الانتهاكات التي تعرضت لها البلدان العربية التي كانت مستباحة من الجميع مستعرضا بالوقائع ماحدث من اعتداءات علي مصر وسوريا ولبنان والعراق وفلسطين ونوه الكاتب إلي أن هذا المفهوم لابد له من دلائل وإشارات.

 وإلي تفاصيل ما سطر ..

لقد تداولت الكثير من البيانات والصحف في مختلف الدول العربية على مدى عقود كثيرة مصطلحا وعنوانا سياسيا، ألا وهو (الأمن القومي العربي).

لا أعلم ماذا يعني هذا المصطلح، وعلى أي أساس استندت تلك المقولة، وما المقومات الموضوعية التي يمكن أن يؤسس عليها مفهوم الأمن القومي العربي؟

في رأيي المتواضع ،وحسب فهمي المحدود،أن ما تعنيه قضية الأمن لأية مجموعة من الأقوام والدول؛ باختلاف توجهاتهم ودياناتهم ولغاتهم؛ هو أن هناك مصالح معينة لها أهميتها، وآثارها على مجتمعاتهم؛ سواء كانت سياسية أو اقتصادية، كما أنهم يدركون ما يمكن أن يهدد تلك المصالح، ويعلمون مدى الآثار السلبية التي تعود على شعوبهم ؛ إذا ما تأثرت تلك المصالح، ويعلمون جيدا الأخطار التي تترتب على ذلك في جميع المجالات الحياتية.

وهو الأمر الذي يجعلهم يتجهون جميعا برؤية واحدة ، و عقيدة مشتركة للبحث عن منظومة أمنية؛ يهيئون لها كل الإمكانيات المتاحة لدى كل واحد منهم، ويوفرون لها المناخ المناسب، ويجمعون كل القدرات المادية لبنائها؛ وفق استراتيجية واحدة تحمي أمن الجميع بدون استثناء، حيث إن رابطة المصلحة المشتركة؛ تفرض على تلك المنظومة العمل على حماية أمن دول المنظومة، وأن انهيار أي منهم يهدد البقية. ويتمثل ذلك بكل الوضوح في منظومة حلف الأطلسي، حيث لا يرتبط عضو فيه بالآخر، سواء من حيث اللغة أو الثقافة أو التاريخ المشترك، لكنهم ارتبطوا بمصلحة الأمن المشترك، بالإضافة إلى مصالح اقتصادية مشتركة، تفيد منها شعوبهم، وينتج عنها تكتل اقتصادي قادرا على مواجهة العولمة .

إني أتساءل: هل هذه الصورة بكل أبعادها، ووضوحها، والتزاماتها موجودة في الساحة العربية ؟ أريد قبل أن أسجل الإجابة عن السؤال، أن أترك الأحداث والوقائع تجيب؛ فهي أكثر قدرة على تأكيد الصورة؛ لأنها أحداث مادية وقعت في زمن لا يمكن تزويره أو تبديله. وهي كما يأتي:

أولا: في أعقاب الثورة الفلسطينية الكبرى (37 19 -1936)، والتي توقفت إثر النداء الذي تم توجيهه إلى عرب فلسطيني من قبل ملوك ورؤساء ست دول عربية هي: مصر وسوريا والعراق والسعودية واليمن ولبنان؟ يطلبون فيه وقف العمليات العسكرية، معتمدين على النوايا الحسنة للدولة المنتدية بريطانيا، وعليه فقد انعقد في (بلودان – سوريا) في شهر أغسطس 1937، أول مؤتمر عربي رفيع المستوى؛ لاتخاذ القرارات الواجب اتخاذها للمحافظة على حقوق عرب فلسطين وحمايتهم من الأطماع الصهيونية، التي كانت تحظى بالدعم الكامل من قبل دولة الانتداب.

إنني أشد نداء الدول العربية، والطلب من الثورة الفلسطينية وقف العمليات العسكرية ضد القوة الغازية، أنه بداية غياب الرؤية المميزة لطبيعة الأخطار التي تهدد الأمة العربية، وكذلك بداية العد التنازلي العربي للمطالب، والوعود الغربية لما يحقق مصلحة إسرائيل. فأين كان الأمن القومي العربي؟ لو كان هناك إدراك ووعي من القيادات العربية لخطورة السرطان الإسرائيلي؛ لاتخذ الجميع خطوات جدية من منطلق الأمن العربي؛ وذلك بدعم الثورة الفلسطينية بالعدة والعدد، لكن للأسف لم يحدث ذلك ؛ بل إن ما حدث كان على العكس؟ فقد طلبوا منهم وقف العمليات العسكرية ، كما يطلبون اليوم من الانتفاضة أن تتوقف عن العنف؛ حتى يبدأ حوار السلام، بالرغم من مرور أكثر من ستين عاما على مؤتمر بلودان ؛ وكأننا لم نتعلم من دروس الماضي، ولم تمر علينا أحداث وصمت العرب بالانهزامية والاستسلام، واطلقت إسرائيل اسم (العنف) على الانتفاضة ؛ لصرف الأنظار عن جرائمها التي ترتكبها كل يوم ضد العزل الأبرياء؛ وتتيني بعض أجهزة العالم تلك التسمية بما فيها أجهزة الإعلام في العالم العربي، التي تردد كالببغاوات ما لا يتفق مع منطق، ولا عقل، ولا فكر.

إنها جرائم حرب، و أعمال وحشية، تتعارض مع أبسط القوانين الدولية وما يسمي بحقوق الإنسان؛ ترتكبها إسرائيل، وتستتر خلف ذلك المصطلح، وتلك التسمية ليصبح القاتل هو المقتول، والقتيل هو المجرم! منطق معکوس يؤيده موقف عربي مهزوم.

ثانيا: أين كان الأمن القومي العربي عندما قامت ثلاث دول بعدوانها على جمهورية مصر العربية؛ تتزعمها بريطانيا وتشاركها فرنسا وإسرائيل؟ وذلك حينما استباحت الأجواء المصرية، وأسقطت عشرات الآلاف من القنابل لتخلف وراءها آلاف الضحايا، علما بأن بعض الطائرات العربية كانت تنطلق من بعض القواعد العربية، وتركت مصر وحدها تواجه؟ ببسالة شعبها قوي البغي والعدوان، وانتصرت إرادة الشعب، وانكفأت بريطانيا العظمی داخل حدودها وانهارت إمبراطوريتها.

 ثالثا: أصبحت مصر في الستينيات بما تملكه من قدرات عسكرية- تشكل تهديدا مباشرا لأمن إسرائيل؟ عندها – وكالعادة- درست إسرائيل كل الاحتمالات، ومدى خطورة القوى العسكرية النامية على أمنها، ومدی آثارها على توسعها، وحينذاك سعت مع حلفائها لإعداد ترتیبات معينة، وتخطيطات محكمة الاستدراج مصر إلى مكان وزمان حددتهما بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية – وكان ذلك في سيناء 5 یونیه / 1967، وهناك حدثت المذبحة؛ كي لا تقوم بعدها قائمة لمصر، وما تمثله من مركز الحركة والقوة للدول العربية.

لقد اتضح فيما بعد أن القيادة المصرية لم تكن قد اتخذت قرار الحرب؟ فوضعت القوات المصرية في صحراء سيناء بدون حماية جوية كاملة، وبدون استعداد حقيقي للهجوم على إسرائيل، وبدون أن تدرك أنها تعرض أمن مصر للخطر، وأن الجيش المصري سيكون وحده في أتون النار، وستتحمل مصر الآثار المدمرة للهزيمة. فاستغلت إسرائيل تلك الفرصة، وشنت حربا فجائية غير متوقعة بدأت بتجريد الجيش المصري من غطائه الجوي بتدميرطائراته؛ وذلك عندما بدأ الهجوم الجوي الإسرائيلي الساعة التاسعة صباحا يوم 5 يونيو/1967، فأصبح الجيش المصري صيدا سهلا في صحراء سيناء، وسقط الآلاف من رجاله، بدون أن تتاح لهم فرصة الدفاع عن النفس. ذلك ما حدث، فأين كانت الدول العربية، وماذا كان موقفها؟

لقد تباينت المواقف بين موقف شبامت وسعيد بما آلت إليه الأمور في مصر، وموقف متعاطف لا يملك من أمره شيئا، وثالث يتظاهر بالحزن والأسي. فكانت المحصلة احتلال سيناء، وتعطل الملاحة في قناة السويس، ولم تدرك الدول العربية أن أمن مصر هو أمنها، وأن أمن سوريا بعد احتلال الجولان، وأمن الأردن بعد أن سقطت الضفة الغربية بيد الصهاينة، سوف تترتب عليه نتائج سلبية ستؤثر عليهم. لم يكن ذلك المفهوم واردا؛ بل لم يكن موجودا على الإطلاق. فأين هو الأمن العربي في تلك الأحداث؟

رابعا: استطاعت مصر أن تعيد حشد قواتها، وتعيد بناء قدراتها العسكرية بأسلوب علمي مدروس، واتخذت قرار العبور، وكان الله معها فحققت انتصارا كالمعجزة. ولكن هل كانت كل الدول العربية تقف خلفها تدعمها بالمال والسلاح قبل المعركة أو أثنائها؟

کلا فقد حاربت مصر تساندها سوريا في معركة الشرف الذي أعاد للأمة العربية بعضا من هيبتها، وتجاوب معها زعيم في بلد حديث من بلدان الخليج العربي، وهو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة – الذي حتمت عليه مروءته، وشهامته أن يتخذ موقفا كان له تأثيرا مباشرا على تغيير مجرى الأحداٹ فکان قرار وقف ضخ البترول، ووقف إمداداته عن حلفاء إسرائيل، مرعبا وقويا كالزلزالى؛ لما يمكن أن تتولى إليه حضارة الغرب في حال إذا ما طال أمد و قف ضخ البترول، وما يترتب على ذلك من تعطيل الكثير من المصالح والمؤسسات التي تعتمد على البترول ومنتجاته، وما سيؤدي إليه ذلك من فوضى، وارتباك في أمريكا وأوروبا.

ذلك الموقف لم يكن وليد تخطيط مسبق؛ لكنه كان رؤية بعيدة المدى الأهمية مصر، وأن انتصارها سيشكل دعما قويا لدولة الإمارات العربية المتحدة، والدول العربية كافة . فقد كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الزعيم الوحيد في العالم العربي، الذي تم أمن مصر هو أمن دولة الإمارات العربية المتحدة؛ لذلك كان رد فعله صادقا وقويا، ولم يحسب لأي كان اعتبارا، إلا إيمانه وقناعته بأن مصر تشكل رصيدا ضخما لمواجهة ما يخبئه المستقبل، وأنها تؤدي دورا يمكن لها أن تقفه مع دولة الإمارات؛ إذا ما وقع المحظور.

هكذا تمت الاستجابة لنداء شقيق وهو في طريق الأمل والنصر؛ لم يكن -حينذاك- الأمن العربي موجودا؛ غير موقف المروءة والشهامة و الذي تجلی بأروع صفات الرجولة والشجاعة. كان صوت زايد قد هز بكل قوة الاقتصاد الدولي ليعيدوا حساباتهم، وكان تأثيره على نتائج حرب أكتوبر میاشرا، و مؤثرا في الضغط الأمريكي على إسرائيل لوقف إطلاق النار بعدما احتلت منطقة ( الدفر سوار) في الضفة الغربية للقناة، وحاصرت الجيش المصري الثاني.

خامسا: قامت إسرائيل بغزو لبنان سنة 1982، واستباحت سيادته وأرضه، ودمرت وقتلت الآلاف من أبنائه، وأهلكت الأخضر واليابس، والجميع فانغر فاه؛ يشاهد بدون إحساس أو شعور؛ بأن ما يحدث في لبنان يشكل خطرا على بقية الدول العربية، فيومها لم يكن الوعي العربي حاضرا، ولم يكن الإدراك موجودا، فانفردت إسرائيل بشعب لبنان القليل بعدده القوي بإيمانه؛ والذي قاوم الاحتلال بمفرده، وانتصرت إرادة شعبه، فأين الأمن القومي العربي؟ وما الخطوات التي اتخذتها الدول العربية لمساندة لبنان في حربة ضد قوى العدوان؟

لا شيء غير التمنيات، والبيانات التي تستنكر، وتحتج، وترجو الأمم المتحدة على استحياء – وتطالبها بإدراج الغزو الإسرائيلي ضمن أجندتها للمناقشة. لعل من المخزي القول إنه يومذاك كانت أجهزة الإعلام العربية؛ المرئية، والمقروءة، والمسموعة تتحدث عن الألعاب الأولمبية في أسبانيا و كأن أمر الغزو بعيد عن اهتمامهم. فأين كان الأمن القومي العربي؟ و كيف لم درج الغزو الإسرائيلي في حسبانه ؟ ولماذا لم يقاومه؟

 سادسا: عندما قامت حرب لبنان الأهلية، وتقاتل أبناؤه، وحدث ما حدث فيه من تخريب، ودمار، ومجازر ارتكبها من لا ضمير لهم، ولمدة أكثر من عشر سنوات بدون أن تقوم الدول العربية باتخاذ إجراءات حاسمة لوقف القتال. فأين كان الأمن العربي؟ ما الإجراءات التي تم اتخاذها ليتم إطفاء نار الفتنة؛ حتى لا تنتشر، وتأتي على الأخضر واليابس؟

لقد كانت الدول العربية ترى وتسمع ما يحدث في لبنان، وما سينتج عن ذلك من انهيار النظام هناك، وما سيترتب عليه من أخطار على لبنان. لكن الرؤية العربية لم تكن مدركة بأن ما يهدد أمن لبنان يهدد بقية الدول العربية لذلك لم يكن رد الفعل مساويا لأهمية لبنان، ولم يكن موضوع أمن لبنان يقلق القيادات العربية، ولم يره اهتماما؛ بحيث تتحرك بسرعة لإخماد نار الفتنة لذلك فقد تركوا الشعب اللبناني يواجه الكارثة وحده بصبر و بصيرة، بينما غاب مفهوم الأمن القومي العربي عن الساحة.(1)

سابعا: عندما نشبت الحرب العراقية الإيرانية، وما شكلته من استنزاف للقدرات العربية والإسلامية، ودامت أكثر من ثماني سنوات، والدم العراقي ينزف، والمال العربي يحترق في أتون المعارك. لم يكن الأمن القومي العربي يهمه ما يحد مٹ؛ لذلك ضاعت قدرات اقتصادية وسالت دماء بريئة لمئات الآلاف؛ وكأن الجميع ينتظر من يفوز في ذلك الصراع وكأن المطلوب أن يجهز كل منهما على الآخر ليصفو الجو الإسرائيل تمرح و تسرح في الوطن العربي، وتفعل ما تريد . فأين كان الأمن العربي يومذاك؟

 ثامنا : ومثلما تم التخطيط الاستدراج القوات المصرية في سيناء، فقد تم بالأسلوب نفسه استدراج جیش العراق؛ حينما قام بغزو الكويت فقد تم ترتيب أسبابه، و تحدد مسبقا في المخطط الشيطاني للولايات المتحدة الأمريكية، وحليفتها إسرائيل الهدف الرئيسي الذي يحقق تدمير القوة العسكرية العراقية، وعلى الأخص القواعد الصاروخية التي يصل مداها إلى عمق إسرائيل، وكان قد تم تدمير المفاعل الذري العراقي عام 1981، وما تمثله القوة العسكرية العراقية من أخطار أكيدة على إسرائيل تؤثر على توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط.

ومن ثم فالمطلوب هو أن تبقى إسرائيل وحدها صاحبة القوة الوحيدة واليد الطولى لحماية مصالح المستعمر الجديد. فأين كان الأمن القومي؟ و اين حركته التي كان يجب أن تتحرك بسرعة في التدخل العاقل و الحاسم، الحسم المشكلة، والضغط على العراق بكل قوة للانسحاب من الكويت جارته وشقيقته اللبنانية، وهو الأمر الذي أدى إلى انفراد سوريا بالمهمة؛ وقد ترك هذا آثار سلبية جدا على العلاقات اللبنانية السورية

Leave A Reply

Your email address will not be published.