الحلقة الرابعة من كتاب “ومضات على الطريق العربي” للمفكر العربي علي محمد الشرفاء
في الحلقة الرابعة من كتاب”ومضات علي الطريق العربي ” للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي ، وهو عبارة عن دراسات ومشاريع وحلول لواقع المستقبل العربي في القرن الواحد والعشرين استعرض المؤلف دعوته إلى القمة العربية مطالبا القيادات العربية أن تعلم بأن وجودها يتطلب ترجمة حقيقية لمطالب أمتنا، وحماية مقدساتها، والذود عن حرماتها؟ وعليها أن ترتفع إلى مستوى شعوبها؛ إيمانا ووعيا وإدراگا لمجريات الأمور، وتسخر إمكانياتها في عمل مشترك يوظف القدرات العربية الاقتصادية، والعسكرية، والبشرية لخدمة مصالح الأمة العربية في كل مكان وأقترح على القادة العرب مجموعة من الاقتراحات التي لا يبغي بها إلا صالح الوطن والمواطن العربي فإلي تفاصيل ما سطر الكاتب
الفصل الثالث
إلى القمة العربية
تترادف الكلمات، وتتفاعل المشاعر في قلوب أبناء أمتنا العربية، وتحاول العقول تفسير المعجزة، معجزة الأطفال الذين يتقدمون قوافل الشهداء، و معجزة انتفاضة الشعب العربي من أقصى المحيط إلى أقصى الخليج، وكأن أبناء الأمة العربية ، و بقدرة الباري -عز وجل- قد قرروا إزالة ما علق من غبار بعقولهم، و ما تراكم من حواجز نفسية أسهمت فيها قوى الظلام، و قوى الشر مستخدمة كل ما وصل إليه العلم من تقنيات، وأبحاٹ، ووسائل إعلامية مضللة؛ لتغييب عقول أبناء الأمة العربية؛ حتى تصل بهم إلى الاستسلام الكامل لاستقبال كل المخططات الصهيونية، والسير في ركابها ليتحقق لبني صهیون حلمهم القديم، و بسط سيطرتهم من النيل إلى الفرات.
فعلى مدى ثلاثين عاما حاولت قوى الشر والعدوان إسكات الصوت العربي، والقضاء على العروبة بما تمثله من تاريخ و جغرافيا، وحضارة، ووحدة مصير. واليوم نشاهد دماء الشهداء في القدس و فلسطین؛ تستثير مشاعر الأمة العربية؛ لتنهض من سبات طال مداه؛ فإذا بالمارد العربي، وإذا بالروح القومية يتحركان فجأة كالزلزال، وفي كل مكان تعبيرا عن الغضب، والمطالبة بمواجهة الظلم، والبغي، والدفاع عن حقوقه المغتصبة، وها هي اليوم أصوات الجماهير -كالموج- الهادر تعبر عن غضب مكبوت تحول إلى ثورة على الذل، ثورة على الخنوع، ثورة على الاستسلام والهوان.
أما آن للقيادات العربية أن تعلم بأن وجودها يتطلب ترجمة حقيقية لمطالب أمتنا، وحماية مقدساتها، والذود عن حرماتها؟ أما آن للقيادات العربية أن تؤمن، و تدرك بأن الله – سبحانه وتعالی – الذي قدر لها أن تتولى زمام الأمور في الدول العربية ، قادر على أن يزلزل تحت أقدامها حصونها؟ أما آن للقيادات أن ترتفع إلى مستوى شعوبها؛ إيمانا ووعيا وإدراگا لمجريات الأمور، وتسخر إمكانياتها في عمل مشترك يوظف القدرات العربية الاقتصادية، والعسكرية، والبشرية لخدمة مصالح الأمة العربية في كل مكان؟
ذلك هو مطلب الجماهير العربية في كل أقطارها، من همان إلى المغرب فهي الأمة المؤمنة بأن الله هو وحده له ملك السماوات والأرض، وهو الذي و من يشاء، ويذل من يشاء ، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير. لقد قالت الشعوب العربية كلمتها لقياداتها، ووحدات صفوفها خلفهم قبل الاجتماع المرتقب لمؤتمر القمة العربي يوم 21 أكتوبر 2000، يطالبونهم أن يكونوا على مستوى المسئولية التاريخية، وأن يعيدوا لأمتهم كرامتها، بعد امتهان السنين طويلة من الذل والهوان؛ مؤكدين لقياداتهم أنهم لا يخافون غير الله -تعالى- وأنهم مستعدون لبذل الشهادة، والدماء رخيصة تروي التراب العربي الطاهر في كل مكان.
تلك الدماء التي سكبوها في القدس، و في الخليل، و في نابلس، و في كل أرض فلسطين دماء زكية تسيل، وأرواح تزهق، وأطفال في عمر الزهور يتقدمون للشهادة، وسلاحهم الحجارة، وقوى البغي مدججة بكل الأسلحة الفتاكة، والعالم يشاهد من خلال الأجهزة المرئية التي تملأ الفضاء و تتزاحم، التنقل صور المجازر الوحشية، وما تقوم به إسرائيل من هدم البيوت، وترويع النساء، و قتل الشيوخ. فلا تتحرك الأمم المتحدة؛ كما تحركت في كوسوفو من أجل حقوق الإنسان التي كانت تنتهك في أبشع صورها.
لقد تحرك السيد ” نان” -الأمين العام للأمم المتحدة – لصالح إسرائيل من أجل ثلاثة أفراد أسرهم حزب الله، ولم يدرك أن إسرائيل اختطفت أرضا وشعبا، و جعلته أسيرا منذ عام 1948، ولم يكفها ذلك، بل تقوم بالتنكيل بأبنائه، واضطهادهم، وقتلهم كل يوم.
ومع الأسف يبدو أن مبادئ حقوق الإنسان، والقوانين الدولية والقرارات التي صدرت من أجل إعادة أرض فلسطين لشعبها، وإقامة دولتهم المستقلة على ما سيبقى من الأرض لا تنطبق على أرض فلسطين ولا على شعبها؛ حيث إن القوانين الدولية يتم تفسيرها، والأمر بتنفيذها، من قبل البيت الأبيض، فالولايات المتحدة الأمريكية، هي وحدها صاحية الحق في تحديد أسلوب تنفيذ القرارات الدولية بما يحقق مصلحة إسرائيل، وهي الوحيدة التي تملك حق تفسير تلك القرارات.
وكما تحركت الأمم المتحدة لصالح إسرائيل، تحركت بريطانيا التي كانت السبب في هذه المأساة. فهي صاحية وعد بلفور المجرم؛ فقام وزير خارجيتها بالتأكد من أن الوعد المشئوم ينفذ بحذافيره، وأن الدولة المسخ التي زرعتها بريطانيا؛ لتفصل المشرق العربي عن مغربه، مستمرة في أداء دورها لخدمة المصالح الاستعمارية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
إن القيادات العربية عليها أن تستنكر ما تشاهده من مواقف وحشية؛ يصعب على العقل أن يستوعبها، وأن تعيد حساباتهاء وفق استراتيجية واضحة، وتقدير موقف سليم؛ يأخذ في حسبانه المصالح الأمنية العليا للأمة العربية. وهو ما تنتظره الشعوب العربية من قادتها؛ لكي تحقق آمالها في وحدة الهدف، ووحدة الصف اللذين يعززان من مكانتها في العالم، ويحافظان علی حقوقها، لذلك فإنني أقترح على القادة العرب الأخذ بما يأتي:
أولا: إقامة حلف عسكري عربي دفاعي على غرار حلف شمال الأطلسي، وتعيين أمانة للحلف، تتولى إعداد التنظيمات، والإجراءات المتعلقة بابرازه إلى حيز الوجود؛ ليكون قوة رادعة لكل من تسول له نفسه الاعتداء على الأمة العربية، و ذلك بالدفاع عن كرامتها ووجودها، لكي يحسب لأمتنا حسابا جديدا، وتكون لكلمتها مكانة بين أمم العالم. فوجود الأمة العربية وبقاؤها مرتبطان بما تستطيع أن تحققه من تكاتف، و تعاون صادق؛ يوظف طاقاتها العسكرية، والاقتصادية في تأمين مصالحها العليا.
ثانيا: قطع أو تجميد العلاقات الدبلوماسية، والاقتصادية مع إسرائيل؛ حتی ترضخ لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وتعيد الحق العربي لأصحابه في فلسطين وسوريا ولبنان.
ثالثا: إصدار قرار بالإجماع، بأن تكون قرارات الأمم المتحدة 38/425
2/3 24 أساسا لكل المفاوضات في المستقبل بشأن الحقوق العربية في فلسطين، ومطالية مجلس الأمن، والأمم المتحدة بالالتزام بتنفيذ القرارات الدولية، وعدم التنازل عن أي بند من بنود تلك القرارات حتى لا تستدرج الدول العربية -كما حدث في الماضي- وبلغ واحدة تلو الأخرى، ويضيع الحق العربي.
رابعا: گل رفد واحد يمثل الأمة العربية في أية مفاوضات مستقبلية مع إسرائيل يتكون من جمهورية مصر العربية، وسوريا، ولبنان، والأردن وفلسطين ؛ علی أن يقدم الوفد تقريرا للأمين العام للجامعة العربية عن تطور المفاوضات، وأن تلتزم الدول العربية بعدم التفاوض مع إسرائيل بصفة منفردة.
خامسا: إصدار قرار عربي بدعوة مجلس الأمن للنظر في الجرائم الوحشية التي ارتكبتها إسرائيل ضد المواطنين العزل في فلسطين، مع عرض بالصور الحية لتلك الجرائم، و ملف كامل بالأحداث مدعما بالصور يوزع على أعضاء مجلس الأمن، ودول العالم.
سادسا: الرفع الفوري للحظر المفروض على الشعب العراقي الشقيق، و تطبيع العلاقات العربية معه، وإعادة وحدة الصف إلى مسارها الصحيح إذ ليس من المنطق استمرار محاصرة العراق بدعوی واهية مرتبطة بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة. فلماذا لا يتخذ العرب الموقف نفسه مع إسرائيل، و ذلك بأن يضعوا شرطا لأية مفاوضات، أو تطبيع معها، بأنه لا بد أن تلتزم بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة في الانسحاب من الأراضي العربية الفلسطينية، و السورية، واللبنانية؟ علما بأن العراق قد انسحب من الكويت، ونفذ قرارات الأمم المتحدة بالكامل، وعادت الكويت إلى أصحابها؛ لذلك فمن الظلم بقاء الحصار.
أليس يعني ذلك استغفال العقل العربي والاستهانة به؟ أليس يعني ذلك بأن إرادتنا كشعب وإرادة قياداتنا، أصبحتا ملی علیهما من قبل الولايات المتحدة على شكل قرارات ظالمة صاغتها المؤسسات اليهودية؛ وعلى رأسها وزارة الخارجية الأمريكية، ووزارة الدفاع، وهما الآن تنفذان سياسة اللوبي الصهيوني من خلال وزراء صهاينة يستبيحون مصالح الشعب الأمريكي، ويوظفون إمكاناته، وحقوقه لخدمة عصابة منظمة تغتصب أرضا، وتخطف شعبا عاش على تراب فلسطين منذ أن خلق الله الأرض وما عليها؟
سابعا: إصدار قرار بإلزام قادة الدول العربية بتحديد موعد ثابت لاجتماعات القمة العربية، وأن يكون سئواء إلا في الحالات الاستثنائية
إن هذه المقترحات هي الحد الأدني الذي تقيل به الشعوب العربية في هذه المرحلة، وإذا تم تحقيقها بالصدق، والإخلاص، والأمانة؛ فإنها ستكون مؤشرا إيجابيا تستطيع بعده الأمة العربية أن ترتقي في علاقاتها مع بعضها حتى تصل إلى تكوين قاعدة اقتصادية واحدة، قادرة على تنمية العالم العربي، واستثمار خيراته، وتطوير مجتمعاته؛ ليحقق لها العيش الكريم.
إن الأمة العربية تقف اليوم في مفترق الطرق، وأن جميع دول العالم تنتظر وتترقب؛ ماذا سيفعل العرب في قمتهم؟ وهل سيتحقق التلاحم الحقيقي بين القمة والقاعدة الشعبية؟ وهل تتحقق المعجزة؛ كما تحققت معجزة الانتفاضة، وترددت أصداؤها في العالم العربي كله، عندما ارتفعت أصوات الجماهير الهادرة تطالب بالثار للشهداء، وتطالب بالقصاص من المجرمين، وتطالب بأن تتطوع للدفاع عن مقدساتها الإسلامية والمسيحية ؟ ثلاثون عامًا مرت على الشعب العربي، وهو في غيبة عن الأحداث وتفاعلاتها، فقد عاش في سبات طويل، واعتقدت إسرائيل بأنها نجحت في تحييده عن قضاياه القومية، وتوهمت أن الجذوة العربية قد خبت: فيأبى الله إلا أن يخيب آمالها، فإذا بالأمة تستعر تحت الرماد، و تثور كالبركان الذي يلقي حممه على الأعداء المستعمرين و الطغاة.
قال تعالى في محكم كتابه العزيز : «يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» (الصف ).
فصبرًا يا أبناء العروبة في فلسطين، لقد عشتم التلاحم العربي الرافض لما يجري على أرضكم. واعلموا أن الفجر قريب، وأن الغزاة سيندحرون كما اندحروا في الجزائر، ومصر، و فيتنام، وأن دولة الحق والعدل لها ساعة، وأن قدرة المولى عز وجل – ستجعلها قريبة ؛ فالله معكم وأمتكم خلفكم، ورحم الله شهداءكم، وأعانكم على مواجهة الباطل وردع دولة البغي والعدوان. قال الله تعالى: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ»(الحج / 39).