لماذا ذهبت “رسالة السلام” إلي دول الساحل والصحراء؟
كتب:: د.أبو الفضل الاسناوي
تشهد دول الساحل والصحراء الإفريقية خلال السنوات الأخيرة حضورًا متناميًا لأفكار المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، من خلال النشاطات الميدانية المكثفة التي تقودها مؤسسة رسالة السلام التنويرية وأذرعها البحثية والإعلامية. هذا المشروع الإصلاحي الذى يتبناه “الشرفاء الحمادي” يقوم على العودة إلى القرآن الكريم، باعتباره المرجعية الوحيدة للدين، وعلى تفكيك الخطابات التقليدية التي اعتمدت على المرويات التاريخية وأسهمت في نشر التطرف وتشويه صورة الإسلام.
لقد وجدت أفكار الشرفاء بيئة خصبة في المجتمعات الإفريقية، خاصة دول الساحل والصحراء، التي تعاني من أزمات متعددة، تبدأ من الفقر والأمية ولا تنتهي عند تصاعد التيارات المتشددة. هذه المجتمعات باتت بحاجة إلى خطاب ديني جديد يعزز لديها قيم الإسلام الحقيقية المتمثلة في العدل والإحسان والتسامح، ويمنحها في الوقت نفسه أدوات فكرية للتصدي للانقسامات التي زرعتها الجماعات المتطرفة. وهنا تبرز رؤية الشرفاء التي تُقدّم القرآن باعتباره مرجعًا كافيًا لتنظيم شؤون الإنسان والمجتمع، وترفض تضخم الروايات التي اتخذت على مدار قرون مكانة لا تتفق مع جوهر الإسلام.
وقد انعكست هذه الأفكار في نشاطات المؤسسة الميدانية في السنغال وموريتانيا. ففي داكار، التقى وفد رسالة السلام طلاب مدرسة الصديق حيث قُدمت كلمات تركز على أن رسالة الإسلام تقوم على المحبة والتآخي، وأن الوسطية والاعتدال هي السبيل لمجتمع متماسك قادر على مواجهة تحديات العصر. وأشاد مدير المدرسة بطرح الشرفاء، خصوصًا في رؤيته لفريضة الزكاة باعتبارها أداة للتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، وليست مجرد شعيرة طقسية. أما في نواكشوط، فقد شهدت العاصمة الموريتانية احتفالًا جماهيريًا أعلن خلاله المئات انضمامهم إلى المؤسسة، في مشهد يعكس حجم التفاعل الشعبي مع الفكر الإصلاحي الجديد، حيث تم توزيع مؤلفات الشرفاء التي تشرح قراءته المعاصرة للنص القرآني وتؤصل لمشروع إصلاحي شامل.
هذه الأنشطة لم تقتصر على الحضور الرمزي، بل اتخذت شكل محاضرات ولقاءات فكرية ركّزت على إعادة تعريف المفاهيم الإسلامية بما يتناسب مع متطلبات التنمية والوحدة في القارة الإفريقية. وقدّم الشرفاء من خلال كتبه ومؤلفات المؤسسة فهمًا متجددًا للزكاة، باعتبارها ركيزة لإعادة توزيع الثروة ومكافحة الفقر، بدلًا من اقتصارها على البعد الشعائري الذي ساد قرونًا. هذه الرؤية تحديدًا لاقت صدى واسعًا في بيئة تعاني من أزمات اقتصادية حادة، وجعلت من فكر الشرفاء بديلًا عمليًا يقدم حلولًا واقعية للمشاكل المزمنة في مجتمعات الساحل والصحراء.
إن انتشار أفكار الشرفاء في إفريقيا يحمل دلالات استراتيجية مهمة. فهو يعيد صياغة العلاقة بين الدين والمجتمع من خلال التركيز على مقاصد القرآن، ويمنح الأجيال الشابة أفقًا جديدًا يتجاوز الانقسامات الطائفية والمذهبية التي غذّاها الخطاب التقليدي. كما أنه يشكل أداة لمواجهة الفكر المتطرف عند جذوره الفكرية، عبر تقديم بديل أصيل مستمد من النص القرآني ذاته، وبعيد عن التفسيرات المتضاربة. هذا الغزو الفكري الإصلاحي يتجاوز حدود التثقيف الديني ليصل إلى إعادة تشكيل الوعي الاجتماعي والسياسي في دول الساحل والصحراء، ويضع الأساس لنهضة فكرية قد تمتد لتشمل القارة بأكملها.
ورغم الزخم الذي تحققه المؤسسة في أنشطتها الميدانية، فإن التحدي الأكبر أمام هذا المشروع يبقى في قدرته على التحول إلى برامج عملية تعالج مشكلات التعليم والتنمية والفقر، حتى لا يظل مجرد خطاب نظري. فالمجتمعات الإفريقية لا تحتاج فقط إلى إصلاح فكري، بل إلى حلول ملموسة تترجم المبادئ القرآنية إلى واقع يومي يعزز الاستقرار والتكافل.
إن غزو أفكار علي محمد الشرفاء الحمادي لدول الساحل والصحراء ليس غزوًا تقليديًا قائمًا على القوة أو السياسة، بل هو غزو إصلاحي سلمي، يفتح أمام هذه الشعوب أفقًا جديدًا للنهضة، ويعيد الإسلام إلى صورته القرآنية الصحيحة، ويضع حدًا لقرون من التشويه الفكري الذي أنتج العنف والانقسام. وإذا استمر هذا المشروع في التوسع والانتشار، فقد يكون بداية مرحلة جديدة من التنوير والإصلاح في القارة الإفريقية.