
تصويب الخطاب الإسلامي(1)..الحلقة الثانية من كتاب ومضات علي الطريق ( المسلمون بين الآيات والروايات) للمفكر العربي علي محمد الشرفاء
أعزاءنا القراء من جديد نواصل معكم نشر الجزء الثالث من كتاب ومضات علي الطريق،(المسلمون بين الآيات والروايات) للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، وفي هذا المقال نستعرض معكم مقالة عن تصويب الخطاب الديني ننشر لكم منها الجزء الأول، وسنوالي معكم النشر ضمن سلسلة من الحلقات.
في الجزء الأول من المقالة يتحدث المؤلف عن الخطاب الإلهي، وما أتى به من خير وسماحة وعدالة لخدمة الإنسانية جمعاء دون تفرقة بسبب الدين أو العقيدة، وما حدث له من تشويه علي أيدي جماعات استقت أفكارها ورؤاها في القتل والتدمير لا من كلام الله تعالي ولا خطابه، بل من خلال بعض شيوخ الدين الذين افتروا علي الله وأذاعوا ونشروا الفرقة بين المسلمين بسبب فتاويهم الضالة وأفكارهم المنحرفة، وإلي نص ما قال وكتب المؤلف
تصويب الخطاب الإسلامي(1)
بعد مرور أربعة عشر قرنًا من الزمان، أدرك اليوم بعض القيادات السياسية وكثير من المفكرين والباحثين في الشأن الإسلامي في الوطن العربي، وغيرهم من المفكرين المسلمين فى العالم ضرورة البحث عن أفضل السبل لمعرفة مقاصد رسالة الإسلام والسلام، ورسالته لخير البشرية جمعاء، بعدما انتشر الفكر التكفيري الذي اعتبر كثير من المجتمعات من المسلمين يعيشون في عصور الجاهلية الأولى، واتخذ أتباع هذا الفكر المريض الذي يستمتع بقتل الأبرياء، وينشر خطاب الكراهية ويتعامل مع الناس بقسوة مفرطة بما تشربوه من خلال المناهج الدينية في الجامعات والمعاهد الإسلامية من الأفكار الشاذة من كتب الصحاح، وفقهاء المذاهب المختلفة عند المسلمين التي كونت عقيدتهم بأنهم حماة الإسلام، وغيرهم كفرة وأعداء للإسلام.
لقد نصبوا أنفسهم حكاماً على الناس وأوصياء على عقائدهم ومسئوليتهم محاسبة المسلمين وغير المسلمين، وتنفيذ حد الردة القتل عليهم، بجز أعناقهم أو بتفجيرهم بالأحزمة الناسفة بانتحاريين ليسقط عشرات الأبرياء ظلماً وعدواناً مضرجين فى الدماء، ينشرون الخوف والفزع فى المجتمعات المسالمةـ ومن أجل التشويه المتعمد للأهداف السامية لرسالة الإسلام التي أنزلها الله على رسوله، لنشر الخير والرحمة والعدل والحرية والسلام لبني الإنسان في كل مكان، تلك القيم النبيلة التي تدعو للحفاظ على حياة الإنسان وحمايته وتحريم الاعتداء على جميع حقوقه.
كل هذا حدث بعد ظهور فرق الغدر والاغتيال التي تدفعها نفوس شقية ومريضة تمت شيطنتها بواسطة ما يسمى بالعلوم الدينية، والتي تأسست بعيدا عن كتاب الله من قبل نفر ضلوا طريق القرآن وهدايته من فقهاء ومفسري السوء الذين يصفهم الله سبحانه بقوله: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) واعتمدوا مرجعياتهم على الروايات الإسرائيلية وأحداث مزورة وأقوال كاذبة نسبوها لبعض الصحابة عن الرسول من أجل ذلك اصبح خطورة الاستمرار فى ذلك المنهج الإجرامي يشكل استمراره خطرا كبيرا على رسالة الإسلام وزعزعة الاستقرار في المجتمعات العربية والإسلامية، مما يعطل حركة التطور من أجل قيام مجتمعات فاضلة، ينتشر فيها العدل والسلام والتعاون والأمن والاستقرار، كما أمر الله في كتابه المبين بقوله سبحانه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة:٢).
فعلينا إذن أن نتدبر في آيات القرآن الكريم التي أنزلها الله سبحانه على رسوله الكريم، وما تدعو إليه من رحمة وعدل وحرية الاعتقاد والسلام النفسى والاجتماعي، بعد ما انتقلت عدوى التشويه المتعمد لرسالة الرحمة والعدل والحرية والسلام في هذا العصر، وانتشرت فيه الفتنة والتحريض على القتل وتكفير الناس واستباحة الأوطان، وتشريد أهلها وتدمير مدنهم وقراهم فتعالت أصوات المؤمنين بكتاب الله والمخلصين لدينهم من الحكماء والمفكرين من أبناء الدول العربية والإسلامية، وهم يشاهدون المؤامرة الخبيثة على دين الرحمة والعدل والسلام، مستنكرين ما تضمنته بعض المؤسسات العلمية الدينية من جامعات ومعاهد فى مناهجها التعليمية من أفكار شاذة وروايات مزورة وإسرائيليات حاقدة تستهدف العبث فى رسالة الإسلام وتشويه أهدافها السامية، وما تتضمنه من الأخلاق والقيم الفاضلة حين استطاع بعض علماء الدين ترويج عقائد فاسدة، ودعوتهم للفتنة والإجرام في حق الإنسان لارتكاب المجازر بكل القسوة والكراهية ضد الأبرياء عن طريق الإفساد في الأرض، ليتم تشويه صورة الإسلام التي تأمر بالعدل وحماية حرية التعبير وحرية الاعتقاد والتفكر، مستهدفين عزل القرآن عن الإيمان بآياته والتدبر في تشريعاته.
ونتج عن ذلك استشراء الصراع بين المسلمين على مدى أكثر من أربعة عشر قرناً حتى اليوم، سقطت أنظمة وتشردت شعوب وهدمت صوامع وكنائس ومساجد وتهدمت بيوت وفنيت أسر بأكملها نتيجة لجرائم الفرق المارقة من الإسلام والحاقدة على الإنسانية، وهم يرفعون لواء الإسلام تحت شعار (لا اله إلا الله محمد رسول الله)، فلننظر كيف استطاعوا أن يفتروا على الله ورسوله بروايات متناقضة وإسرائيليات مجحفة حاقدة، تستهدف تفريق المسلمين وتمزيقهم لتجعلهم في صراع دائم وقتال مستمر يزيد أواره التنازع محققاً عزل القرآن عن اتباع الناس له والتدبر في منهجه الذي يدعو لخير الإنسان ومنفعته وتحقيق سلامته وأمنه.
فإذا التزم المسلمون بالمنهج القرآني واتبعوا آياته والتزموا بتشريعاته وأخلاقياته فلن يكون للمتربصين برسالة الإسلام نصيب في السيطرة على ثروات الشعوب والتحكم فى فى حرية الناس، واستعبادهم واستغلالهم لخدمة عقيدتهم الشريرة في التسلط على مصائر الشعوب، لأنهم كما يؤمنون بأنهم شعب الله المختار نجحوا بالروايات الكاذبة والمزورة في تشويه عظمة رسالة الإسلام.
وما تدعو إليه الناس لما يصلحهم وينفعهم ويحقق لهم العيش الكريم في أمن وسلام، فبدأ كثير من الحكماء والمفكرون يدقون ناقوس الخطر، ويحذرون المسلمين بأن ما يجري على الساحة العربية والإسلامية لا علاقة له برسالة الإسلام والدين الذى ارتضاه الله لعباده، إنما ذلك يعد ممارسة العقائد مختلفة دخيلة على رسالة الإسلام ومذاهب شتى تتناقض كليا مع الدين الإسلامي ورسالته الخالدة، كي تتحقق لهم أهدافهم الخبيثة بأن يهجر المسلمون كتاب الله قرآنه المبين.
وقد أنبأنا الله منذ أربعة عشر قرناً بما سوف يكون موقف المسلمين من القرآن تصديقاً لقوله سبحانه: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) (الفرقان :۳۰)، وقد نبه الله المسلمين وحذر منذ أكثر من أربعة عشر قرناً أن المسلمين سيهجرون القرآن، وسيكونون لقمة سائغة في أيدى الدجالين وأتباع الشياطين ليضلوهم عن الطريق المستقيم، وهدي القرآن الحكيم فليعلم الباحثون عن بدائل للخطاب الديني أن السبيل الوحيد، لذلك هو العودة للخطاب الإلهي الذي أنزله الله على رسوله الكريم فى كتاب مبين، وذلك من أجل وقف سفك الدماء، وتحقيق الأمن للناس وترسيخ أسس العدالة وحماية حقهم في الحياة والحرية ومنع الاعتداء عليهم، ووضع حد للأوصياء على دين الإسلام تحقيقا لحرية العقيدة وتأمين الاستقرار. حيث تبين الآيات التالية مفتاح الحقيقة لرسالة الإسلام في قوله سبحانه مخاطباً رسوله الأمين بقوله: المص «۱» كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِين«٢») (الأعراف:١-٢)، تحديد واضح من الله سبحانه لمهمة رسوله -عليه السلام- لهداية الناس إلى طريق الخير والصلاح وما ينفعهم في الحياة الدنيا، وما يؤمنهم من عذاب وعقاب يوم الحساب، وتضمنت رسالة الله لعباده في كتابه الكريم تشريعات تحقق العدل والرحمة والأمن والسلام للإنسانية جمعاء، وذلك من أجل وقف الصراع فيما بينهم وتحريم سفك دماء الأبرياء وتحقيق الأمن للناس، وترسيخ أسس العدالة وحماية حقوق الناس في الحياة والحرية، ومنع الاعتداء عليهم ووضع حد للأوصياء على دين الإسلام -تحقيقا لحرية العقيدة وحماية لحق الاختيار- حيث تبين الآيات التالية مفتاح الحقيقة لرسالة الإسلام في قوله سبحانه مخاطباً عباده: ( اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) (الأعراف:۳)، أمـــر رسوله في الآية الأولى أعلاه أن ينذر الناس بما جاء في القرآن من آيات وعظات وتشريعات وأخلاقيات ومعاملات، يبلغهم رسالة الله ويحذرهم من مغبة عدم اتباعها خوفاً عليهم مما قد يصيبهم في حياتهم من فتن وصراع، وقتال فيما بينهم وحياة البؤس والضنك، ويعدهم إذا ما اتبعوا آيات يوم الحساب جنات النعيم، ثم يخاطب الله سبحانه عباده أمراً باتباع كتابه وعدم اتباع روایات عباده وتخاريف الأولياء والمفسرين واجتهادات الفقهاء -حرصاً عليهم-، حتى لا يضلوا عن الحق ويتبعوا الباطل فتنزل أقدامهم؛ حيث يقول سبحانه: (وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل:٩٤).
فهو أمر في خطاب التكليف الإلهي للرسول -عليه السلام- بأن مهمته الأساسية هي تبليغ رسالته للناس بكل ما تنزلت عليه من الآيات الكريمة في الكتاب الحكيم، وتعليمهم الحكمة وشرح مقاصدها لعباده، ثم تليها الآيات التالية -محددة بكل وضوح- الأمر الإلهي للناس، وهو يخاطبهم سبحانه بقوله: (اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) (الأعراف:۳).
وفي هذه الآية أمر وتحذير للناس، الأول : اتباع كل ما يبلغهم رسول الله من الآيات البينات في الكتاب المبين والثاني التحذير لهم بعدم اتباع کتب غیر کتاب الله وقرآنه العظيم، ثم يشير سبحانه زيادة في التأكيد لعباده باتباع کتابه، وليس غيره مما بالأحاديث؛ حيث يقول في صيغة استنكار مخاطباً رسوله -عليه السلام -: ( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) (الجاثية:٦).