«القرآن والتراث» الحلقة الثانية والثلاثون من الجزء الثاني من كتاب ومضات علي الطريق للمفكر العربي علي محمد الشرفاء

0

أعزاءنا القراء.. من جديد نواصل معكم نشر الجزء الثاني من كتاب ومضات علي الطريق، وهو عبارة عن مقترحات لتصويب الخطاب الإسلامي للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، وجاءت الحلقة الثانية والثلاثون بعنوان « القرآن والتراث ».. يتحدث فيها المؤلف عن إنَّ رسالة الإسلام هي دعوة للتفكر في آيات الله، وفي مقاصدها لخير الإنسان، مطالبا بتحرير الفكر وفك ارتهانه لشيوخ الدين المتسلطين ، مشيرا إلى أن من ساهم في تعطيل التفكُر عند العرب والمسلمين قد ارتكب جريمتين الأولى أوقف فريضة إلهية من الخالق بالتفكر، والثانية تخلف العرب والمسلمين عن ركب الحضارة الإنسانية، وإلى نص ما كتب المؤلف

«القرآن والتراث»

قال تعالى: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ «١٣٤»)(البقرة)، القرآن رسالة الإسلام تتصف بالديمومة ولا تتوقف آياته وتشريعاته عند عصر معين، ولكن آياته حية مستمرة بالتفاعل العقل البشري، لينهل منها ما يحقق للمجتمعات الإنسانية، باتباع القواعد التشريعية التي يدعو لها القرآن الكريم من عبادات ومعاملات وفضائل الأخلاق،  الأمن والاستقرار والتقدم في سبيل النهوض بمستوى الحياة الكريمة عند الإنسان في كل عصر.

ولا يتوقف الاستنباط في آياته عند زمن معين، فلكل عصر ظروفه وطبائعه ووسائله التي تساعده في التفكير واستنباط القوانين والضوابط التي تحفظ المجتمع، وتمنع العدوان فيه وتجاوز الخطوط الحمراء من أجل الأمن والسلام الاجتماعي.

إنَّ رسالة الإسلام هي دعوة للتفكر في آيات الله، وفي مقاصدها لخير الإنسان، وتلك الدعوة هي فريضة إلهية على كل إنسان مؤهل، علماً ودراية باللغة العربية أن يمارس فريضة التفكر في التعرف على مقاصد الآيات، واستنباط القواعد والقوانين المنظمة لحياة المجتمعات في التعايش السلمي، لتحقيق التنمية من خلال العلم والقراءة واستجلاء حقائق الكون والتفكر في ما خلق ، لتوظيفه في خدمة الإنسان وما يعود عليه بالخير ودعوة التفكر.

حيث يقول سبحانه: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ «١٩٠» الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ «١٩١») (آل عمران: ۱۹۰-۱۹۱).

وقوله تعالى: (كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ «٢٤») (يونس).

وقال تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ «٤٤») (الفحل).

وقوله تعالى: (كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ  «٢١٩») (البقرة).

وقال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ «٥٠») (الأنعام).

تلك دعوة الله لعباده يأمرهم بتوظيف العقل في التفكر والتدبُّر في القرآن الكريم، في كل ما يتعلق بشؤون الإنسان من العلم والمعرفة ،وما يساعده على وضع قواعد العدل والتشريع، مستمدة من القرآن الكريم لتحقيق الحياة الكريمة للإنسان.

وأنَّ من ساهم في تعطيل التفكُر عند العرب والمسلمين قد ارتكب جريمتين الأولى أوقف فريضة إلهية من الخالق بالتفكر، وسوف يُعاقَب المتسبب في ذلك يوم القيامة عقابًا عسيرًا وجزاؤه جهنم وبئس المصير. والجريمة الثانية بتعطيل التفكر في آيات الله ومقاصدها لخير الإنسان، أدى إلى تخلف العرب والمسلمين عن ركب الحضارة الإنسانية، التي كان من المفروض بما منحهم الله من كتاب مبين ودعوته للقراءة والتفكر والتعلُّم أن يقودوا ركب الحضارة الإنسانية لمجتمعات الرحمة والعدل والحريّة والسلام والتعاون بين الناس جميعًا.

حيث أنَّ رسالة الإسلام جاءت لهدم الفكر الجاهلي المتخلف للارتقاء بهم من حالة البؤس والفقر والعوز والجهل، إلى أن يكونوا أساتذة العالم وفي مقدمة الأمم بالعلم والأخلاق والعدل والعمل الصالح، لكل ما ينفع الإنسان وكانت ثورة بكل معنى الكلمة على الماضي المُظلم، فجاء القرآن ليخرجهم من الظلمات إلى النور ومن عبادة الأصنام لتحريرهم منها لعبادة الله الواحد الأحد.

وينبئهم سبحانه بقوله: (وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ «٢٣») (الزخرف).

هكذا أراد لنا شيوخ الدين تعطيل فريضة التفكر وتعطيل نعمة العقل عن القيام بواجبه، لقيادة العِلم والفكر الذي بدونه تتخلف الأمم ويسهل استعمارها وسرقة ثرواتها واسترقاق أبنائها.

وإذا أراد العرب أن تكون لهم مكانة مرموقة بين الأمم لابد من تحرير الفكر وفك ارتهانه لشيوخ الدين المتسلطين على عقله، الذين يريدونه أن يعيش كالخفافيش في الظلام مانعين عنه نور الله وكلماته، يريدونه أن يظل مُستعبَدًا للتراث الذي عطّل تفكيره وحرمه من التقدم والتطور، فإذا الخالق سبحانه يقول لرسوله (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ۗ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ «١٠٧») (الأنعام).

فإذا كان الله سبحانه حدّد واجبات رسوله فلم يرسله وكيلاً عنه على عباده فمن أعطى شيوخ الدين والمؤسسات الدينية أن تكون وصية على الإسلام؟

وأن يختزلوا حق الله للناس في التدبر والتفكر في آياته لخير الناس، لقد كان ذلك في القرون الوسطى عندما أصبحت الكنيسة والكهنة يمتلكون السلطة الدينية ويحاكمون الناس على تفكيرهم، ويحكمون عليهم بالتعذيب والقتل.

لقد انتهى ذلك الزمان وجاء الإسلام يحارب الظلم والعدوان والفساد والطغيان، يحارب استعباد البشر للبشر، يحارب الفكر المتحجر المُنزوي في الكهوف المظلمة، جاء ليضيء ظلمة النفس، ليحررها من طغيان الغرائز والطمع والجشع.

جاء القرآن ثورة على التخلف ودعوة لتحرير الفكر والتأمل في ملكوت الله وما خلق، جاء القرآن ليعطي دروسًا عن الأمم الماضية، كيف سادت ثم بادت لأنها ظلمت الناس وافتقدت للرحمة والعدالة، تلك هي رسالة الإسلام التي حاول أتباعه في الماضى دفنها في التراب، وما زال بعض أدعياء الدين مستمرين في تغييب آيات الله وكتابه. عليك الصلاة والسلام يا رسول الله، وأنت تشتكي قومك لله بقولك: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا «٣٠») (الفرقان).

وقوله سبحانه: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ «٣٢») (التوبة).

Leave A Reply

Your email address will not be published.