أسباب تفرق المسلمين…الحلقة الحادية والعشرون من الجزء الثاني من كتاب ومضات علي الطريق للمفكر العربي علي محمد الشرفاء
أعزاءنا القراء من جديد نواصل معكم نشر الجزء الثاني من كتاب ومضات علي الطريق، وهو عبارة عن مقترحات لتصويب الخطاب الإسلامي للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، وجاءت الحلقة الحادية والعشرون بعنوان”أسباب تفرق المسلمين” وتحدث فيها المؤلف عن صور واضحة للفُرقة بين المسلمين ، مشرا إلي أن الناس صاروا لا يتدبرون في معاني القرآن الكريم ولا مقاصده ولا يؤدون فريضة التفكر في آياته وحدث خلط والتباس كبير عند الناس بين مراد الله في الآيات، وبين الأهداف الخبيثة في الروايات التي يتناولونها، ففقدت العقول بوصلتها وتجمد التفكير لديها، فلم تعد قادرة على فهم رسالة الإسلام ومقاصد آيات الله لخلقه، موضحا أنَّ بناء الإنسان يبدأ بتصويب المفاهيم الدينية لديه عن طريق استنباط فقه جديد تكون مرجعيته القرآن الكريم، ودعا كل الآراء الحُرة أن تستهدف بالدرجة الأولى مصلحة الوطن والمواطن بتجرُّد.
أسباب تفرق المسلمين
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ «١٥٩») (الأنعام).
إن حدوث التصادم بين الفرق المختلفة تلك التي اتبعت كل فرقة منهم مذهبًا أو عقيدةً ، صاغها مفهوم بشري في روايات منسوبة للصحابة تتناقض مع الآيات، تم نقلها ممن تمت تسميتهم بعلماء الإسلام وشيوخه، بعد وفاة الرسول (ﷺ) بقرنين من الزمان.
استحدثت روايات وأساطير إسرائيلية وحكايات لا تتوافق مع القرآن الكريم، نسبوها إلى بعض صحابة رسول الله (ﷺ) مشكوك في صحتها من الناقل لها ومن المنقول عنه ومن المنسوبة إليه زُورًا وظُلماً، فاختلت بذلك المفاهيم وأضرّت بمقاصد آيات القرآن الكريم، واختلط المعقول باللا معقول والحق بالباطل، وأوجدت حالة من الجدل الفكري، تداخلت مع الفلسفات اليونانية وأساطيرهم مع أن الله لم يمنح أيَّا من رسله في مختلف العصور حق التشريع، ولئن حدث ذلك فسيحدث تصادمًا بين تشريع الخالق رب السماوات والأرض العليم الخبير، وبين أقوال الرُّسل والأنبياء الذين هم بعض من خلقه حملوا أمانة الدعوة لدين الله لتبليغها للناس فقط، فلا يملكون حق التشريع أو الإضافة إلى الرسالة.
إنما أمرهم سبحانه بحمل رسالته للناس ليبينوا لهم حكمة مراد الله من آياته، كما هي دون إضافة أو حذف أو تعديل ويشرحوا لهم تكليف العبادات وشعائرها وطرق تأديتها، ويعلموهم مبادئ الأخلاق وقيم الإسلام النبيلة ويحدّروهم من المحرَّمات، وما يترتب على فعلها من أضرار للإنسان وما قد يلحقه من عقاب الله يوم الحساب، لذلك:
1- أمرنا الله سبحانه بالوحدة وعدم التفرق بقوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ «١٠٣») (آل عمران).
فحبل الله هو القرآن، والالتفاف حوله يحقق الوحدة والتآزر حتى تتعطل أسباب الفُرقَة وتُسد أبواب الفتنة من أعداء الله والإنسانية، وقد حذر الله سبحانه المسلمين من تصديق الروايات وما تهدف إليه من صرف المسلمين عن القرآن الكريم، وإشغالهم في صراع عقائدي يؤسس لمناهج متعددة يترتب عليها ظهور مراجع دينية متناقضة، تُفَرِّق المسلمين إلى فِرَق وطوائف تستثير كل فرقة الاعتزاز بمرجعيتها والاستعلاء على غيرها من الفِرَق. فهُم القائمون على عقيدة الحق وهم حُماة رسالة الإسلام، فأصبح كل فريق له مرجعيته وكل فريق يدافع عن منهجه، حيث تتحول المناهج المختلفة إلى سِجال ثم إلى قتال، وذلك ما حدث في الماضي وما يحدث في عصرنا الحاضر.
لقد خاطب الله ورسوله(ﷺ) بأنَّ الآيات التي أنزلها الله عليه هي الحق، وهي كلمات الله للناس، فكيف ينصرف الناس عنها إلى روايات تستعلي على آيات الله؟ كما قال تعالى:(تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ «٦») (الجاثية). إنه تحدٍ وتساؤل استنكاري من الله يحذر المسلمين من عدم اتِّباع أي روايات أو أحاديث أو مفاهيم بشريّة تخالف كلام الله ، بعدما تمَّ إضفاء هالة من القُدسيّة على تلك الروايات وناقليها، بالرغم مما فيها من تناقض صادم لآيات الله.
إِنَّ الله يريد لعباده التمسك بما جاء في كتابه العزيز ليحميهم من الوقوع في الصراع والتقاتل، يريد لهم الخير والسعادة في الدنيا والآخرة ، وأن تكون لهم مرجعية واحدة هي القرآن الكريم، الخطاب الإلهي، وأن يتبعوا إمامًا واحدًا، محمدا رسول الله، الذي بعثه الله وحده رحمة للعالمين، ليدعوهم لما يُصلحهم ويهديهم إلى طريق الخير والسلام.
فخالف المسلمون أوامر ربهم، وانصرفوا بالروايات عن الآيات، بدليل ما تؤكده الآية التالية أنّ الرسول يشتكي أمته بابتعادهم عن القرآن الكريم، ولم يتبعوا آياته فقال سبحانه وتعالى:(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا «٣٠») (الفرقان).
فماذا ستكون حجة القوم الذين تولّوا الدعوة والإرشاد واختزلوا تفسير القرآن، ومنعوا الناس من التدبر في آيات الله أمام الخالق -سبحانه– يوم الحساب بأنهم هجروا القرآن، مُنبهًا بالرغم من تحذير الله لهم منذ أربعة عشر قرنًا من خطورة الابتعاد عن القرآن والتقيد بأوامر الله وتشريعاته في ما نصَّ عليه القرآن الكريم دستورًا من الله ليضيء لهم طريق الحياة، ويُعينَهم على تحقيق السعادة في الدنيا، ويؤمن لهم حياة طيبة في الآخرة، ويسكنهم جنات النعيم.
وإذا كان رسول الله (ﷺ) يشتكي أمته لله سبحانه بأنهم هجروا القرآن تحذيرًا للمسلمين، مما سيؤدي بهم إلى الانصراف عن القرآن الكريم ونتائجه الكارثية عليهم، فكأنَّ الآية تُنبيء الرسول بأن قومه سيفعلون ذلك وسيهجرون القرآن ويتَّبعون أقوال الشيطان وأوليائه.
فالله يأمرهم بالتمسك بكتابه وعدم تصديق الروايات أو اتباع الإشاعات أو الإسرائيليات التي تدَّعي على لسان رسول الله افتراء وكذبًا ، تتعارض مع القرآن بُغية تحقيق مصالح دنيوية لتثير الفتن بين المسلمين، وتهدم مرجعية القرآن من قِبَل أعداء الله وأعداء المسلمين وتحقق مصالح المغرضين الذين لايريدون خيرًا للمسلمين.
لقد وضع الله -سبحانه وتعالى- تشريعًا لخلقه مبنيًا على حرية الاعتقاد والعدالة بأعظم صفاتها، حيث يقول سبحانه: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا «٢٩») (الكهف).
وهي آية فيها من البيان والوضوح، مؤكدة حرية الاعتقاد والاختيار لكل إنسان، وعندما يُخاطب الله نبيَّه يبين له أنَّ الإيمان لا يتم بالإكراه، والله سبحانه لديه القدرة على جعل الناس جميعًا مؤمنين، ولكن اقتضت حكمته بمنحه الإنسان حرية الاختيار التي على أساسها سيتم محاسبة الناس على إيمانهم وأعمالهم كما قال سبحانه: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ «٩٩») (يونس). وتتكرر ذات المفاهيم وتلك المقاصد في أكثر من مرة، بغضّ النظر عن طبيعة ومعرفة التّبعات الناشئة عن هذه الحرية، لكن الله – سبحانه وتعالى – لم يعط حقه لغيره في محاسبة عباده، بل أبقى له هذا الحق حصرًا ، حيث قال تعالى مُخاطبًا نبيه (ﷺ) بقوله : (وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ «٤٠») (الرعد).
ويتكرّر التوجيه والتوضيح، بشأن صلاحيات الرسول (ﷺ) فقال تعالى:(قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ «١٠٤») (الأنعام).
وقال تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ «٤١») (الزمر).
إنَّ الأحكام الإلهيَّة واضحة جليَّة حدَّد فيها المولى عزَّ وجلَّ مسؤولية الأنبياء ومسؤولية خلقه من خلال استقبال الرسالة وتبليغ الأنبياء للناس بأن لهم الحق في اختيار الدين الذي يريدون بمنتهى الحُرية ، وأنَّ حسابهم عند الله جميعًا ، قال تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ «٢٨١») (البقرة).
وكما قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ «٣٨» (المدثر).
إن الخالق -جلّ وعلا- لم يمنح أي نبي أو رسول الحق في أن يشاركه في التشريع لخلقه ومحاسبة عباده على اختياراتهم الدينية، فاحتفظ بحق التشريع والحساب له وحده، وكلّف الأنبياء والرسل بالتبليغ والشرح والتوضيح لمراد الله في كل آية من كتابه الكريم.
ومن هنا نرى في هذا العصر صورة واضحة للفُرقة بين المسلمين بالرغم من تحذيره – سبحانه – بعدم التفرق وعدم هجر القرآن، بل بالاعتصام به ليحمينا من شرور أنفسنا ويجمعنا على كلمة واحدة، لبناء مجتمع العدل والمحبة والسلام والرحمة للبشرية.
ويؤكد الله -سبحانه وتعالى- على التمسك بالقرآن الكريم وليس بغيره؛ لتستقيم حياة الناس والاعتصام بما أنزله الله على رسوله في كتابه الكريم تنفيذا لقوله سبحانه :(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ «٤٣») (الزخرف).
ويؤكد السياق القرآني قوله تعالى:(وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ «٤٤») (الزخرف).
إنَّ مظاهر هجر القرآن الكريم كثيرة، وما حذرنا منه – سبحانه وتعالى – منذ أكثر من أربعة عشر قرنا تبدو جليَّة للعيان، بأنَّ المسلمين لم يتمسكوا بالقرآن ويلتزموا بالمنهج الإلهي مما أدى إلى هبوط المستوى الإيماني والأخلاقي والثقافي والأدبي، وصار الناس لا يتدبرون في معاني القرآن الكريم ولا مقاصده ولا يؤدون فريضة التفكر في آياته ولا يتخذون من آيات الله ميزانا على الروايات لاكتشاف الحق من الباطل، وقد تحدّى الله سبحانه أهل الروايات بقوله: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ «٣٢» (التوبة).
فلن يستطيع أولئك المجرمون إطفاء نور الله بالروايات والإسرائيليات بأقوالهم المسمومة، وستعلو كلمة الله فى الأرض مهما افترى الحاقدون على الله ورسوله بالكذب والبهتان.
لقد ترتب على ذلك خلط والتباس كبير عند الناس بين مراد الله في الآيات، وبين الأهداف الخبيثة في الروايات تسبب ذلك الأمر أن فقدت العقول بوصلتها وتجمد التفكير لديها، فلم تعد قادرة على فهم رسالة الإسلام ومقاصد آيات الله لخلقه، ليؤسسوا عليها تشريعات وقوانين تنظم العلاقات الإنسانية فيما بينهم على أساس من الرحمة والعدل والمساواة والسلام.
إنَّ بناء الدول يبدأ ببناء الإنسان، مؤكدًا على أنَّ بناء الإنسان يبدأ بتصويب المفاهيم الدينية لديه عن طريق استنباط فقه جديد تكون مرجعيته القرآن الكريم، وعدم الإستسلام لأقوال العصور التي بادت والجماعات المتطرفة التي تبث أفكارًا دمويةً تخلق أرض خصبة للإرهاب. وقد نبهنا الله بعدم اتِّباع ما استنبطه الأقدمون من الروايات والإسرائيليات من فقه وشعائر العبادات وتشريعات بقوله: (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ «٢٢») (الزخرف).
وقال تعالى:(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ «١٧٠») (البقرة).
وقال تعالى: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ «١٣٤») (البقرة).
فالله -سبحانه- لايريد للإنسان أن يتوقف فكره عند عصر معين، إنما يريد أن يحفّز عقله بالتدبر في آياته ليستنبط منها ما يحقق له من خير ومنفعة وسلام، يحقق له الأمن والإستقرار والحياة الآمنة السعيدة.
إنَّ الإنسان إذ حُجب عنه حرية التفكير وضوء الشمس المنير والهواء تتراجع أحلامه ويتحول إلى إنسان سلبي، ولا يستطيع أن يسيطر على أفعاله وتصرفاته، وبناء الدول يبدأ ببناء الإنسان أساسه من القِيَم الروحية وانضباط السلوك، من خلال القِيَم النبيلة والأخلاق الكريمة التي تدعو لها آيات الذكر الحكيم من عدل ورحمة وتواضع وأمانة وإحسان إلى الناس والوفاء بالعهود وحسن الظن والعمل الصالح.
وقبل كل ذلك الإيمان بالله الواحد الأحد واتباع رسوله الكريم والسير على هدى القرآن العظيم، والامتناع عن الظلم وأكل أموال الناس بالباطل والتعاون على البر والتقوى وعدم تشجيع الظلم والعدوان.
إن صياغة شخصية المواطن على تلك القيم النبيلة يمكن للدول أن تعيد بناء الأوطان، فالإنسان هو اللبنة الأولى للتعمير والتطوير والتقدم، ولابد لقيادات الدول أنْ يكون لها دور في تصويب المفاهيم الدينية، معتمدة على استنباط فقه جديد من مرجعية كتاب الله المبين وعدم الاستسلام لأقوال الأمم السابقة وعصور بادت وزالت تمَشّيًا مع قول الله تعالى: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ «١٣٤»)(البقرة).
فالدولة التى لا تملك رؤية للمستقبل ويتحدد فيها الأولويات الضرورية وكيفية تقديم الإحتياجات الإجتماعية على غيرها، وما تتطلبه من دراسات علمية مرتبطة بالقدرات التمويلية المتاحة لتنفيذ المشروعات الخدمية، يقابلها التخطيط في نفس الوقت للمشروعات الإنتاجية، ليتحقق التوازن بين المصروفات الضرورية وبين تعظيم الإنتاج لزيادة الدخل القومي، حتى لا يكون ما تتطلبه المشروعات من تمويل على حساب لقمة الشعب وتكون هناك خسائر خطيرة.
لذا كان الأجدر إعداد خطة طويلة الأجل تأخذ في الحسبان الأعباء المالية على المواطنين، وما يمكن أن ينتج عنه ما تم تنفيذه من مشروعات عملاقة، لأن تلك المشروعات لا يحس بها أغلبية الشعب مع وجود غالبية المواطنين يعيشون في فقر، مما قد يدفعهم لارتكاب أعمال غير مدروسة وغير منضبطة، إضافة إلى ازدياد أعداد العاطلين عن العمل.
وخَتَم علي. محمد الشرفاء الحمادي، إنَّ الاستعجال في بناء المشروعات على حساب لقمة العيش لن يساعد في تهيئة المناخ للاستقرار والأمن، كما أنَّه في زحمة المشروعات الخدمية من الممكن أن يتراجع الاهتمام بالتعليم والتربية والصحة مما سيؤدي فيما بعد إلى تراجع الحُلم في مستقبل مشرق.
مُشددًا على سماع الرأي الآخر، قائلا: عندما توارى الرأي الآخر الذي يعتبر إضافة لتحقيق حلم الشعب في حياة كريمة، تسودها العدالة والسلام والعيش الكريم وتوفير القوت اليومي للناس.
إنَّ كل الزراعات كي تنمو تحتاج لضوء الشمس والهواء، والإنسان اذا حُجِبَت عنه حرية التفكير تتراجع أحلامه ويتحول إلى إنسان سلبي، ولابد لكل الأراء الحُرة أن تستهدف بالدرجة الأولى مصلحة الوطن والمواطن بتجرُّد ، وبالأسلوب الذي وضعه الله لنا كقاعدة للنصيحة بقوله: )ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ «١٢٥») (النحل).
وقوله تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ «٣٤») (فصلت).
بتلك القيم النبيلة يتعامل الجميع على أساس قاعدة تقدير المصلحة العامة، وذوبان الذات والأهواء النفسية فى مصلحة أمن الوطن واستقراره وتطوره الذي يعود بالخير على الجميع.