تصويب الخطاب الديني..الحلقة التاسعة من الجزء الثاني من كتاب ومضات علي الطريق للمفكر العربي علي محمد الشرفاء
أعزاءنا القراء من جديد نواصل معكم نشر الجزء الثاني من كتاب ومضات علي الطريق، وهو عبارة عن مقترحات لتصويب الخطاب الإسلامي للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، وفي الحلقة التاسعة يتحدث المؤلف عن تصويب الخطاب الديني وحديث الرئيس السيسي عنه واستنهاض العقل للبحث والتمحيص في كتاب الله متحدثا عن الأسباب التي أدت إلى تشويه صورة الإسلام والإساءة إلى نبيه مطالبا بسد كل الذرائع التي تم توظيفها على مدار قرون عدة لتفريق المسلمين ومذكرا بأن كتاب الله وحده هو مرجع المسلمين بعيدا عن الروايات التي تم تزويرها وتأليفها من قبل البعض وإلى نص ما كتب المؤلف.
تصويب الخطاب الديني
لقد أيقظ الرئيس (عبدالفتاح السيسي)، بدعوته التاريخية تصويب الخطاب الديني تحفيز الفكر، واستنهاض العقل للبحث والتمحيص في كتاب الله الكريم، عن أسباب ما جرى وما يجري على الساحة العالمية والساحة العربية باسم الإسلام.
وقد تفاعلت بكل الإيمان بالله بصرخته ودعوته التي تضمنت في عُمقها تمرُدًا يعتمل في النفس ويرفض ما يشوّه صورة الإسلام والإساءة إلى نبي الرحمة، وتبحث عن الأسباب التي خلقت حالة العدوان على الإنسان والتي دفعت بآلاف الشباب إلى السقوط في منظمات القتل والإرهاب.
وبما أنَّ لكل شيء سببًا، ولكل عمل نتيجة، فلا بُدّ من البحث عن حقيقة الأسباب التي أدت إلى تلك الكارثة. لقد أرسل الله رسالته للناس تضمنها الخطاب الإلهي القرآن الكريم وبدأ خطابه جل وعلا بقوله: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ «١» خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ «٢» اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ «٣» الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ «٤» عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ «٥» (العلق :١-٥)
بهذه الآيات يخاطب الله سبحانه العقل ويدعو الناس للتفكير، ويحاورهم بالمنطق ليتحقق للعقل سلامة الفكرة للاقتناع بها، وعندئذ يترسخ الإيمان بها في قلب الإنسان يحميها عقله من أي ذبذبات سلبية، ومقولات دينية أو روايات مزوّرة تسعى لتشويه ما آمن به وأدركه عقله من حقائق إيمانية بالآيات القرآنية التي تقدم للناس دعوة التفكر، وإستعراض مجموعة من الحقائق الكونية إن هي الا تحفيز للعقل واستثارته، ليتفاعل مع الآيات القرآنية والحقائق الكونية، ليتحقق للإنسان إدراك يقيني بأنَّ الله وحده لاشريك له هو خالق السماوات والأرض ، وأن نتفاعل مع الخطاب الإلهي الذي أرسله الله للناس كافة كما قال تعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ «٢٨» (سبا).
(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ «١٥٨») (الأعراف).
(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۖ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ «١٠٨») (يونس).
تؤكد الآيات المذكورة أنَّ الله أرسل رسوله محمدًا (ﷺ) للناس كافَّة ولم يرسله الله لطائفة أو طبقة مميزة من الناس، حيث الناس كلهم عند الله سواء وكلّ يُحاسَب بعمله، وكل يجازى به وذلك يؤكد ما يلي:
أولاً: إنّ الخطاب الإلهي (القرآن الكريم موجه للناس كافة دون تمييز لدين أو عقيدة أو طائفة، أو طبقة أو مذهب أو فرقة.
ثانيًا: إنَّ الرسالة الإسلامية التي تضمنها القرآن الكريم، تخاطب الناس جميعًا بالتفاعل الفكري مع آيات الله في كتابه الكريم لتمكنهم مِنْ إستنباط التشريعات اللازمة لتنظيم أمورهم الدنيوية، وإتباع قيم الإسلام الراقية في السلوك والتعامل مع كل البشر تنفيذا لقوله تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ «١٣») (الحجرات).
ثالثًا: تؤكد هذه الآية سقوط كل الامتيازات الاجتماعية باسم الدين، وعدم وجود طبقة دينية مُميزه تماثل طبقة الكهنة عند بعض العقائد، والتي تحكم باسم الدين وتوجّه المجتمعات الإنسانية حَسَب أهدافها السياسية والمادية والعاطفية والمعنوية وكل الناس متساوون أمام القانون في الحياة الدُنيا.
ويتساوى البشر جميعهم أمام الله يوم الحساب وكل بعمله. وقد استطاع بعض مَنْ تصدّى للدعوة الإسلامية، ومعهم ما يُسمون برُواة الحديث إغراق العقول بروايات تستنزف طاقة المسلمين، في صراع سياسي ومذهبي خَلَق حواجز نفسية داخل المجتمع الواحد ، وأدَّى إلى انتشار خطاب الكراهية مما يهدد السلام الاجتماعي وتحْجُرُ على عقولهم التفكير ، وتدفعهم إلى التسليم الكامل للروايات التي ساهمت في في تخَلَّف المسلمين عن ركب الحضارة الإنسانية والعلمية، وأغرقت الأساطير عقول المسلمين وآمنوا بها دون تفكير أو تمحيص، حتى وصلت إلى درجة القداسة ، وتعالت تلك الأقوال المنسوبة للرسول ظلما وعدوانا عند بعض شيوخ الدين، على آيات القرآن الكريم عندما طَغَت الروايات على الآيات.
إنّ الأمة الإسلامية تواجه محنة شديدة الخُطورة، حيثُ استطاع الأشرار أنْ يدسّوا روايات كاذبة حاقدة على دين الإسلام تنزع منه العدل والرحمة والسلام والمحبة والتعاون لتحل بدلاً من تلك القِيَم الإنسانية النبيلة.. الكراهية والتعصب والقسوة والقتل والاعتداء الصارخ على الأبرياء والإساءة إلى كتاب الله الكريم، والإساءة إلى رسوله صلوات ربّي عليه، وتحوّلت إلى مناهج تعليمية في كتب مجهولة المرجع تُدرس في الجامعات الإسلامية حتى اليوم، تُفِرِّخُ للعالم الإسلامي مجرمين وقتلة وإرهابيين أمثال (داعش وجبهة النصرة والقاعدة والسلفية الجهادية والتكفير والهجرة والإخوان المسلمين وغيرهم والبقية تأتي) ، أولئك الذين شوهوا بسوء قصد صورة الإسلام في العالم، وما تحمله من مبادئ الرحمة والعدل للإنسانية جميعًا ، متجاهلين كذلك وعن عَمْدٍ واضح كل ما جاء في كتاب الله تعالى من توجيهات واضحة باتباع المنهج الإلهي وحده دون غيره، لكي يتحقق تصويب الخطاب الديني.
وبما أنَّ الله سبحانه وتعالى يخاطب العقل الإنساني، ولا يخاطب طبقة عُلماء الدين أو الكهنة أو الأئمة الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على الدين واختزلوا معرفة مراد الله من آياته.
يتطلب الأمر دعوة المفكرين والعُلماء في مختلف التخصصات، التي ذُكِرَت في القرآن الكريم لاستنباط فقه جديد، وتشريع يتفق مع القرآن الكريم في الحرية والعدل والمساواة والرحمة والتعاون بين كل الناس في كل المجتمعات الإنسانية، ويسعى لتصحيح مفاهيم الإسلام العظيمة التي استطاع الطغاة والجهلة واليهود والمجوس طَمْس تعاليم الإسلام وتشويه صورته ، خاصًة بعد ظهور فِرَق الإرهاب الجديدة أمثال (داعش والإخوان وغيرهم الذين استباحوا حق الحياة للأبرياء، حتى أصبح شعار (الله اكبر) يختفي وراءه انتحاري يتفجر في المسالمين من المواطنين، لتنتشر دماؤهم وتتمزق أجسادهم ظُلمًا وعُدوانًا، إنها أمانة في أعناقنا أمام الله لتصحيح المسار الذي حادَ عن رسالة السماء منذ أربعة عشر قرنًا، حتى تستطيع رسالة الإسلام وما تضمنته من تشريعات أساسها العدل والرحمة والسلام والمساواة بين جميع البشر.
إضافةً إلى ما تدعو إليه بالتمسك بالقِيَم السامية والأخلاق الراقية لتكون قاطرة الحضارة الإنسانية وإنقاذها مِنْ دُعاة الشرِّ ومِنْ جَشَع المال ومِنْ استعباد البَشَر ومِنْ أطماع اللصوص الذين استباحوا كل المحرمات، وداسوا على كل الشرائع السماوية فأصبحوا وحوشًا كاسرة فقدوا البصيرة، ومات لديهم الضمير، مما يشكل خطورة على مستقبل الحضاره الإنسانية، ويكون البحث في مرجعية إلهية واحدة وهي القرآن الكريم، حيث قال الله سبحانه وتعالى:
(وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ «٣٨») (الأنعام)، تؤكد هذه الآية أنَّ القرآن الكريم وَضَع مبادئ العدالة والسلام والقواعد المنظمة لحياة الإنسان، لذلك أمرنا الله سبحانه بالتدبر في قرآنه الذي احتوى من قوانين وتشريعات وعظات وتوصيات وفضيلة وأخلاقيات، لتكون دستورًا لحياة الإنسان أساسها الرحمة والعدل والحرية والسلام لكل عباده ، ليكون المصدر الوحيد لاستنباط التشريع في كل عصر وليكون صالحًا لكل زمان ومكان.
إنَّ أقصر الطرق من أجل تحصين أُمتنا العربية والإسلامية، وسد كل الذرائع التي تم توظيفها على مدى قرون عِدّة ، لتفريق المسلمين شيعًا وأحزابًا ومذاهب شتّى، هو العودة لكتاب الله الذي أنزله هدى ورحمةً وتعاونًا وعدلاً وسلامًا للناس أجمعين، عسى الله أن يرحمنا ويهدينا سبيل الحق والرشاد.