هجر القرآن أخل برسالة الإسلام..الحلقة الخامسة من الجزء الثاني من كتاب ومضات علي الطريق للمفكر العربي علي محمد الشرفاء
أعزائنا القراء من جديد نواصل معكم نشر الجزء الثاني من كتاب ومضات علي الطريق، وهو عبارة عن مقترحات لتصويب الخطاب الإسلامي للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، وفي الحلقة الخامسة يذكر المؤلف كيف أخل هجر القرآن برسالة الإسلام طارحا مجموعة من الأسئلة والأفكار حول كتاب الله المبين، وما تضمنه من رؤى وأفكار شوهتها الروايات زورا وبهتانا، وأضافت إليه أمورا ما أنزل الله بها من سلطان، وكشف أن هجر القرآن، و ابتعاد المسلمين عن كتاب الله أدى إلى تفرقهم وتشرذمهم، وحدوث التصادم بين الفرق المختلفة عبر قصص وروايات وأساطير وإسرائيليات لا تتوافق في كثير من الأحيان مع القرآن الكريم ونسبوها إلى رسول الله داعيا إلي العودة لكتاب الله والتمسك به والعمل بمقتضاه وترك ما سواه مما قد يثير البلبلة ويؤدي إلي الاقتتال بين المسلمين وإلى نص ما كتب المؤلف
هجر القرآن أخل برسالة الإسلام
لقد عَلِمَ (سبحانه وتعالى) بعلمه الأزلي بأنَّ عِباده من المسلمين سوف يهجرون القرآن، وسيؤدي ابتعادهم عن كتاب الله إلى تفرقهم وتشرذمهم، بل حدوث التصادم بين الفرق المختلفة والتي اتبعت كل فرقة منها مذهباً أو عقيدة صاغها مفهوم بشري ونقلها رواة من قصص وروايات وأساطير وإسرائيليات لا تتوافق في كثير من الأحيان مع القرآن الكريم ونسبوها إلى رسول الله (ﷺ) زورًا وظُلمًا.
فلم يكن الأنبياء في مختلف العصور أو الرسائل قد منحهم الله حق التشريع، ولو حدث ذلك فسوف يحدث تصادم بين تشريع الخالق رب السموات والأرض العليم الخبير ، وبين الرسل والأنبياء الذين هم بعض خلْقِه، لا يملكون حقَّ التشريع إنَّما أمرهم سبحانه بحمل رسالته للناس كما هي دون إضافة أو حذف أو تعديل وتبليغها للناس ولذلك:
1- أمرنا الله سبحانه وتعالى بقوله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا «١٠٣») (آل عمران).
وحبل الله هو القرآن الكريم، فإذا تعددت الكُتُب غطتها الحُجُب ويتوه الناس كما هو الحال في شك وريب وفي أفكار تتصارع وروايات تُشرّع وأحكام تُبتَدَع، فتتعدد المرجعيات ويسود بين الناس الضلال وتدعي كل مرجعية أنها تملك الحقيقة، ولديها أسرار الدين وما فيه من ظاهرٍ وباطنٍ ليوهموا العامة والأميين، بأهميتهم وبيعتهم على الخير والشر، ويحدث التصادم بينهم ويتقاتل المسلمون تحت راية الله أكبر، كل يدَّعي بأنَّه يمثل الله ووكيل عنه في الأرض، يقضى على الناس بالظلم كما تهوى نفسه الأمارة بالسوء فيتساقط الأبرياء غرقى في دمائهم.
لذلك حذَّر الله المسلمين بعدم اتباع الاجتهادات البشرية والتأويلات الأسطورية، بل أمرهم باتباع كتابه القرآن الكريم حيث يقول سبحانه: (اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ «٣»)(الأعراف).
وقال سبحانه وتعالى:(وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ «١٥٣») (الأنعام).
وهو يعلم سبحانه بعلمه الأزلي بأنَّه بعدم اتباع القرآن ستحِلُ الفُرقة بين المسلمين، ولذلك حذَّر سبحانه عباده بعدم هجر القرآن بالالتزام والتقيُّد بآياته وأحكامه ليحميهم من فتنة التفرق والصراع رحمة بهم، ولكن الشيطان أغواهم وإتبعوا سبيله ليستحقوا عذاب الدنيا والآخرة.
2– جاء في سورة (الجاثية الآية٦) (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ «٦») (الجاثية).
إنَّه تحذير واضح من الله سبحانه للمسلمين بعدم اتِّباع أي روايات أو أحاديث قدسية كانت أم أحاديث متواترة، أو مفاهيم بشرية تُخالِف كلام الله وتتناقض مع آياته وأحكامه، ولقد تم إضفاء القُدسية على تلك الروايات وما فيها من تناقض صادم في بعض الأحيان.
فالله يريد لعباده التمسك بما جاء في كتابه العزيز، ليحميهم من الوقوع في الصراع والتقاتل ويريد لهم الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، وأن تكون لهم مرجعية واحدة وهي القرآن فقط.
3- لقد جاء في سورة(الفرقان الآية ٣٠):
(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا «٣٠» (الفرقان).
لتؤكد هذه الآية الكريمة بأنَّ رسول الله سوف يشتكي المسلمين إلى الله، بأنَّهم هجروا القرآن مُنبها ومُحذِرًا مِنْ خطورة الابتعاد عن التقيد بأوامر الله وتشريعاته، فيما نصَّ عليه القرآن الحكيم دستور مِنَ الله لعباده ليُضيء لهم طريق الحياة ويعينهم على تحقيق السعادة في الدنيا ويؤمِّن لهم حياة طيبة في الآخرة ويُسكنهم جنات النعيم.
وإذا كان رسول الله (ﷺ) يشتكي إلى الله في كتابه الكريم بأنَّ أمة الإسلام هجرت القرآن تحذيرًا للمسلمين وتنبيها استباقيًا، بالتمسك بكتاب الله وعدم الانصراف عنه، لأنَّ ذلك سيؤدي بهم للتفرُّق والصراع فيما بينهم والله يخاطب رسوله بقوله:
(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ «٤٣») (الزخرف)، (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ «٤٤») (الزخرف).
فالله يأمر الرسول والمسلمين بالتمسك بالقرآن الكريم وعدم تصديق أو اتباع الروايات التى تواترت على مر السنين في كُتُب التراث تَنسِب أقوالا وأساطير وإسرائيليات على لسان رسول الله بُغية تفريق المسلمين وتشرذمهم لتفتك بهم الفتن.
وتتحقق بذلك أهداف أعداء الله والإنسانية وتحقيق مصالح دنيوية تُدعم السُلطان، وتهدم مرجعية القرآن من قِبَلِ المتربصين برسالة الإسلام التي ستكون حائلا بينهم وبين طغيانهم وأطماعهم، لتسخير الشعوب في خدمتهم وإستغلال ثرواتهم واستعبادهم واستباحة أوطانهم لتتحقق لهم السيطرة لحُكم العالم والتحكم في ثروات الشعوب وإثارة الحروب بين دول العالم، وهم اليهود أعداء الله وأعداء الإنسانية.
4- لقد وضع الله سبحانه وتعالى تشريعًا لخلقه مبنيًا على حرية الاعتقاد والعدالة بأعظم صفاتها حيث يقول سبحانه:(وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ «٢٩») (الكهف).
وقوله سبحانه يُخاطب رسوله: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ «٩٩») (يونس).
ويؤكد سبحانه في قوله: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ «٢١» لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ «٢٢») (الغاشية:٢١-٢٢).
ويُوضح صلاحيات الرسول (ﷺ) في التكليف الإلهي:
(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ۗ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ «١٠٧») (الأنعام).
فمن أعطى لأيّ مخلوق حقا أن يكون قاضيًا في حق الله يُكَفِّر من يكره ويُزكّي بالتقوى مَنْ يحب؟
كيف غابت تلك الآيات الكريمة عن الذين نصبوا أنفسهم قُضاة على العِباد ، يقضون فيما لا يَحِقُ لهم، ويحكمون ظُلمًا على الناس ويمارسون القَتْلِ لِمَنْ يُكَفِّرونه؟..
كيف عَميَت أبصارهم عن كلام الله الذي لا يقبل التأويل أو التفسير، أحكامه واضحة جليَّة حدَّد فيها المولي (عز وجل) مسئولية الأنبياء ومسئولية خلقه من خلال استقبالهم الرسالة وتبليغ الأنبياء لهم بأن يختاروا الدين الذي يريدون بمنتهى الحُرية وأنَّ حسابهم عند الله جميعًا :
(كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ «٣٨») (المدثر).
ولم يمنع الخالق سبحانه أي نبي أو رسول أنْ يُشاركه في التشريع لخلقه، فاحتفظ بحق التشريع لنفسه فقط، وترك للأنبياء والرسل التبليغ والشرح والتوضيح لمراد الله في كل آية من كتابه الكريم. ومن هنا نرى في هذا العصر صورة مأساوية لنتائج الفُرقة بين المسلمين، بالرغم من تحذير الله لهم بعدم التفرُّق، والاعتصام بحبل الله، وعدم هَجْر القرآن بلْ التمسك به ليحمينا من شرور أنفسنا ويجمعنا على كلمة واحدة لبناء مجتمع العدل والمحبة والسلام والرحمة والتسامح ونَشْر الأمن والاستقرار في المجتمعات الإنسانية.
لقد أمرنا الله في مُحكم كتابه بالتدبُّر واحترام العقل وتنمية الفكر والارتقاء به وتنقيته من الخُرافات والأوهام وإحكام المنطق ومرجعية القرآن وما فيها من دلالات تؤكد للناس أنْ يُحرروا عقولهم ولا يرتهنوا لمقولات تواترت عَبْرَ القرون، ولا يُقدِّسوا الناس مهما علا شأنهم وبَلَغَ عِلمهم فإنّهم بَشَرٌ يُخطئون ويُصيبون، وما صاغته أفهامهم عَبْرَ القرون الماضية حَسَب قدراتهم الفكرية، وما تيسر لهم من الوسائل البدائية وحسبما أمْلَتْ عليهم ظروفهم الاجتماعية، جاءت رواياتهم تتناقض مع كتاب الله، وتصطدم مع العقل والمنطق ، وقد وَضَع الله سبحانه وتعالى) قاعدة عظيمة تأمرنا جميعًا بأن نستنبط حلولًا تتوافق مع كل عصر من القرآن الكريم، تأسيسا لقوله تعالى في سورة البقرة.
(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ «١٣٤») (البقرة).
ذلك قولٌ فَضْل وأمْرٌ للناس بأن تجتهد كل أُمة في كل عصر في استنباط القوانين من التشريعات الإلهية والمُحاطة بسياج من الأخلاق والفضيلة والعدالة بما يُحقق مصالحها الحياتية لتؤسس الأمن والاستقرار للناس جميعًا.
فلنْ نُسأل عمّن سبقنا، ولنْ نُحاسب على ذنوب غيرنا، وكل سيحاسب بما كسبت يداه، وما قدّمه مِنْ عمل صالح أو طالح ، فلن يشفع لنا مَنْ عاش قبلنا ولن تقينا أفهام وتفاسير مَنْ سبقونا إنّما يشفع لنا ما قدمناه لأنفسنا في عصرنا الذي نعيشه وقوله تعالى في سورة آل عمران:
(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ«١٩١») (آل عمران).
ويضرب الله لنا مثلًا للذين يتفكرون في خَلْق السموات والأرض علينا أنْ نتَّبعهم في البحث والتدبُّر في كتابه الحكيم لما يتحقق بذلك من نتائج تفيدنا في تأصيل اعتقادنا وتقوية إيماننا ، ترتقي بمجتمعاتنا وتضيف للإنسانية عناصر التطور والتنمية لرفعة شأن الإنسان في كل مكان استنادًا الى مرجعيتنا القرآن رحمة وعدل ومحبة وسلام وحرية وأمان .