قمة جدة.. خطاب عقلاني وارتقاء إلى مستوى التحديات

0

مؤتمر القمة العربية الثانية والثلاثين، الذي انعقد في جدة في 19 مايو الجاري، تميَّز عن باقي القمم العربية بمزايا عديدة، رغم قِصر فترة الانعقاد وعِظم التحديات التي تواجهها المنطقة العربية.

الميزة الأولى لهذه القمة هي المشاركة الفاعلة للزعماء الذين حضروا بمستويات رفيعة، فالتمثيل كان بمستوى الرؤساء أو نوابهم أو رؤساء الحكومات، باستثناء السودان الذي مثله السفير المخضرِم، دفع الله الحاج علي، بسبب الظروف الاستثنائية التي يمر بها.

حققت القمة انفراجا مهما في العلاقات العربية، وهو حضور الرئيس السوري بشار الأسد، بعد انقطاع دام 12 عاما. كما تميزت بمشاركة شخصية دولية، هي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

تميز الخطاب العربي بالعقلانية والواقعية، وابتعد كثيرا عن الشعبوية، التي اتسمت بها خطابات العديد من الزعماء سابقا. وبدا الخطاب موحَّدا حول قضايا فلسطين والسودان واليمن وسوريا ولبنان وليبيا وإيران، وكذلك حول قضايا أخرى كالمياه والأمن والتكامل والتنمية الاقتصادية.

ولا يكاد المتابع لخطابات المشاركين أن يفرّق بينها، إلا عند التأكيد على قضايا وطنية متعلقة بالبلد المعني، خصوصا البلدان المبتلاة بالصراعات الداخلية المسلحة، كالسودان واليمن وليبيا وسوريا.

افتتح القمة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية، مرحِّبا بالضيوف جميعا، وبالأخص الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس السوري بشار الأسد، متمنيا لبلديهما تجاوز الأزمات التي يمران بها. وبيَّن الأمير محمد موقف بلاده من مختلف القضايا العربية، وجهودها في حل الأزمات العربية، سواء في اليمن أو السودان، أو فلسطين، وطالب بإقامة الدولة الفلسطينية بحدود عام 1967، وأن تكون القدس الشرقية عاصمة لها بما يحقق طموحات الشعب الفلسطيني. وأكد أن المملكة لن تسمح بأن تكون المنطقة العربية مسرحا للصراعات الدولية، واختتم بالقول إن المنطقة تمتلك إمكانيات طبيعية وبشرية وثقافية هائلة تمكِّنُها من تبوء مكانة متميزة وتحقيق نهضة شاملة في جميع المجالات. 

الزعماء جميعا رحبوا بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، ودانوا التجاوزات الإسرائيلية المتكررة في الأراضي الفلسطينية، والكل، دون استثناء، طالب بإقامة دولة فلسطينية بحدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وبعضهم، كرئيس الوزراء العراقي، ورئيس مجلس القيادة اليمني، سمّاها (القدس الشريف)، وهو الاسم الذي استخدمه الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات.

 ودعا المشاركون، تصريحا أو تلميحا، إلى التسوية الشاملة، وفق المبادرة العربية للسلام، وقرارات الشرعية الدولية. كما شكروا المملكة العربية السعودية لاستضافتها القمة، وأشادوا بسياساتها الرامية لتحقيق التضامن العربي وحل المشاكل المعقدة.

ورحب الزعماء بتحسن العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، وعبَّروا عن أملهم بأن يكون هذا التقارب بداية لانفراجٍ حقيقي في العلاقات بين دول المنطقة، وتعاون وثيق في المجالات كافة. 

الدول العربية عموما لا تريد من إيران سوى أمرٍ واحد فقط، وهو عدم التدخل في شؤونها، مقابل إقامة علاقات مثمرة اقتصاديا وسياسيا، تعود بالنفع على شعوب المنطقة بأسرها. والدول العربية لا تهتم لنوع النظام السياسي في إيران، ولا لسياساته الداخلية، فهذه قضايا تخص الشعب الإيراني وحده. وهذا الشرط العربي ينسجم مع القانون الدولي، ومبادئ السيادة والتعايش وحسن الجوار ومصلحة شعوب المنطقة.

Leave A Reply

Your email address will not be published.