الصدقة والزكاة .. بقلم المفكر العربي علي محمد الشرفاء
لقد شرع الله الصدقة لتزكي أموال الأغنياء كما جاءت في الأحكام الإلهية في القرآن الكريم، وحدد الله سبحانه أن تكون الزكاة بنسبة عشرين في المائة من صافي أرباح الأغنياء، ليست مرتبطة بمناسبة معينة أو مدة زمنية، بل يحل استحقاقها عند حصول المكاسب حيث يقول الله سبحانه: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ) (البقرة: 276)، وحدد الله سبحانه نسبة الإنفاق للصدقة لتزكية المال في قوله سبحانه: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (الأنفال: 41)، والله يعد المنفقين الذين يؤدون الصدقة وهي زكاة المال بمضاعفة ما أنفقوا في قوله سبحانه: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّـهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (البقرة: 245)، وما يقوله الفقهاء وشيوخ الفتوى من اجتهادات فردية لا يرقى لأن يكون تشريعا إلهيا وأن يلزم المسلمين باتباع تلك الاجتهادات فيما يتعلق بالصدقات والزكاة، وشتان بين الحكمة الإلهية في التشريع الإلهي الذي تكون أحكامه لمصلحة الإنسان، فلا تنبع من الهوى، ولا تتبع طمع الدنيا مثل الإنسان مهما بلغ علمه وتعبده، سيظل الشيطان يحيط به من كل جانب، ولايستطيع كبح جماح النفس وطموحها الأنانية لحب المال والجاه، حيث خلق الإنسان ضعيفا فلا يستطيع أن يجرد نفسه من طمع الدنيا وحب المال وهوى النفس، ولذلك لن يكون التشريع البشري قادرا على استيعاب حكمة الله ورحمته بعباده، ولذلك فالتشريع البشري يقصر كثيرا عن تلبية متطلبات الإنسان لتحقيق العدل والرحمة والإحسان فلا يعد تشريعاً إلهياً، إنما هي اجتهادات بشرية ليست ملزمة للمسلمين، ولو طبّق المسلمون شرع الله في الصدقة لتطهير أموال الأغنياء وأدائها عندما تتحقق المكاسب في كل مرة يجني صافي الأرباح لما بقي في المجتمع فقير يبحث عن لقمة عيش، أو مسكين تائه في الشوارع يبحث عن ملجأ يأوي إليه، ولا محتاج ليقيَ أسرته من البرد القارس، وقد شرع الله الصدقة، وهي زكاة المال لتطهيره ونمائه، وأمر رسوله عليه السلام بقوله: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (التوبة: 103)، ذلك هو شرع الله الذي بلّغه رسول الله عليه السلام للناس، فمن أين جاء الفقهاء بمسميات لأنواع من الصدقات، وتحديد أنصبة الصدقاة للزكاة وما دليلهم من آيات الله وما جاء به الرسول من تشريع إلهي يبلّغ به الناس، ولم يكلفه الله بأن يشرّع للناس من اجتهاده، فهو عليه السلام ملتزم بمَهمّته التي كلّفه الله بها في خطاب التكليف، ولا يحيد عنها تأكيدا لقوله سبحانه (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (المائدة: 67)، ثم يتساءل الإنسان ماهي رسالة الله التي أمر رسوله أن يبلغها للناس فيجيبه الله سبحانه بقوله مخاطبا رسوله عليه السلام بقوله (كِتابٌ أُنزِلَ إِلَيكَ فَلا يَكُن في صَدرِكَ حَرَجٌ مِنهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكرى لِلمُؤمِنينَ) (الأعراف: 2)، وما هو الكتاب الذي أنزله الله على رسوله حيث يبين الله للناس عن الكتاب الذي أنزله الله على رسوله الأمين ( إِنَّ هـذَا القُرآنَ يَهدي لِلَّتي هِيَ أَقوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤمِنينَ الَّذينَ يَعمَلونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُم أَجرًا كَبيرًا) (الاسراء: 9)، ولذلك اختاره الله سبحانه لمَهمّة عظيمة، لينقذ الإنسان من حبائل الشيطان ويخرجه من الظلمات إلى النور، بإرشاده لهدي القرآن حيث يأمر الله رسوله الأمين بقوله: (نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ) (ق : 45)، إذا الرسالة التي يأمر الله رسوله ليبلغها للناس كما ذكرت الآيات في الكتاب الحكيم هي القرآن الرسالة المكلف بتبليغها للناس، وليس غير القرآن مرجع وحيد لرسالة الإسلام، وبذلك أصبح لزاما على المسلمين أن يتقوا الله ويطيعوه في اتخاذ القرآن المرجعية الوحيدة للإسلام ولكل التشريعات التي تستنبط من آياته، ليهديهم طريق الحق ويحميهم من طريق الضلال .
فمتى يكف الفقهاء وشيوخ الفتوى عن استحداث تشريعات ما أنزل الله بها من سلطان، يضيقون على الناس حياتهم بفتاويهم التي لاتستند إلى شرع الله في الذكر الحكيم، وليرجع المسلمون إلى كتاب الله يهديهم سبل الخير والسلام، لتتحقّق الرحمة والعدل والإحسان، ويعم الخير على الجميع، وينتهي الإنسان من العدوان ليحل محله التعاون والرأفة، ليرضى الله عنا جميعاً ويشرق الأمن والسلام في كل مكان.
ألم يعلم الفقهاء وشيوخ الفتاوي أن الزكاة مرفوعة عن الفئات المستحقة للصدقات، وهي كما وضح الله سبحانه استثناء لحج بيت الله من استطاع إليه سبيلا، ربط الحج مع الاستطاعة المالية والصحة البدنية، أما في الصدقات فهي مرفوعة عن المستحقين لها، لأن الله سبحانه ربط الصدقة لتزكية المال بمكاسب الأغنياء، وهي القاعدة التي تلزم الأغنياء فقط تأديتها.
تلك حكمة الله ورحمته فحينما يفتي الفقهاء على كل مسلم أن يدفع الصدقة لتزكية ماله، وهو من المستحقين للزكاة، فيجعلونه يشعر بالتقصير في عبادته وارتكابه الذنب والإثم، لعدم قدرته على تأدية فرض من فروضه الإسلام، مما يخلق في نفسه عدم الرضى ويشعر بالبؤس والحزن، بينما الله يريد لعباده الحياة الطيبة التي تحيطها الطمأنينة والسعادة، فلا أعلم لماذا يتخذ الفقهاء سبيل النكد و التنغيص على الناس في حياتهم، ويجعلونهم يعيشون حياة الضنك والشعور بالإثم، والله برحمته يسر للناس أمورهم حين وضع تشريعا وحكما أبديا في قوله سبحانه (يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة: 185)، أما أصحاب المذاهب والفقهاء وشيوخ الإفتاء يفتون بجهل لا يكلون من وضع تشريعات تستهدف تعاسة الناس والتقييد عليهم، يحرمون ما أحل الله ويحلون، والله حذرهم بقوله سبحانه: (وَلا تَقولوا لِما تَصِفُ أَلسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هـذا حَلالٌ وَهـذا حَرامٌ لِتَفتَروا عَلَى اللَّـهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذينَ يَفتَرونَ عَلَى اللَّـهِ الكَذِبَ لا يُفلِحونَ ) (النحل: 116)، وأن الصدقة والزكاة تؤدّيان إلى نتيجة واحدة، فالصدقة هي الاستحقاق المادي أو العيني الذي يؤديه الأغنياء عندما تتحقق المكاسب وفي أي وقت، والذي تتحقق به الزكاة لتطهير المال، فكيف المستحق للزكاة يلتزم بدفع صدقة ليطهرّ ماله، وهو ليس لديه مال أليس ذلك الحكم يجافي شرع الله والعدل، ولا يتفق مع حكمة الصدقة التي شرعها الله للناس التي تحقق التكافل الاجتماعي والاكتفاء الذاتي، لتعيش المجتمعات في أمن وسلام ،وتضيق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ليتحقق السلم الاجتماعي والكل يطبق شرع الله في أمره للناس وقوله سبحانه (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) (المائدة: 2).
لذلك يجب على المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي إعادة النظر في كافة التشريعات الإسلامية التي اعتمدت على روايات التراث وأقوال الفقهاء وفتاوي شيوخ الدين، الذين لم يستمدوا تشريعاتهم من القرآن الكريم، رسالة الله للناس أجمعين، وليكن القرآن هو المرجعية الوحيدة للمسلمين في تصحيح تشريعات السابقين، ليشرق نور التشريع الإلهي في الكون يحمل في طياته وأحكامه الرحمة والعدل والخير والإحسان والمساواة بين الناس، والحكم على أعمالهم بالدليل والمستندات والشهود، والكل أمام العدالة سواء لا فرق بين مسلم أو أهل الكتاب، ولا بين مشرك ولا وثني، فالحق لا يتجزأ حسب انتماء عقائد الناس، وكثير من أحكام وتشريعات السابقين شابها الكثير من الظلم في حقوق المرأة وحقوق المسلمين وغير المسلمين ، واستحدثت أحكاما ما أنزل الله بها من سلطان (كقتل المرتد والطلاق الشفهي وضياح حقوق الأبناء وحقوق الزوجة وبيت الطاعة وتسلط شيوخ الدين على حرية التعبير ومحاربة التفكر في كتاب الله)، وهي فريضة عين أمر الله بها الناس أن يتدبروا في كتابه المبين، كما قال سبحانه مخاطبا رسوله عليه السلام (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (ص: 29)، ليشرق نور الإسلام على العالم يقوده نحو الحياة الكريمة ويحقق السلام للناس، ويقود ركب الحضارة إلى ما يحقق للإنسان العيش الكريم في ظل العدل والأمن والاستقرار .