الحلقة الثالثة من كتاب “ومضات على الطريق العربي” للمفكر العربي علي محمد الشرفاء

0

يتحدث المفكر العربي علي محمد الشرفاء في هذا الفصل عن كون العقل العربي في حيرة، والفكر مضطرب ومشتت؛ فكلما أراد المواطن العربي البحث والسؤال عما يجري على الساحة العربية من أحداث غريبة، وأن القوى الشريرة، استطاعت  أن تستخدم الترويع، والتخويف، والتشكيك؛ أسلحة تحقق مآربها، وأن تجعل الإرهاب الفكري وسيلة؛ لترسم صورة ذهنية في العقل العربي؛ بأنها الأقرب لنا من أشقائنا، وأنها هي التي تحمي الأنظمة، وترعى الأمن، وتدعم الاستقرار مما يهددنا من جيراننا، وأنها الأكثر حرصا على مصلحة أمتنا العربية؛ ويدعونا إلى أن نعيد الثقة بأنفسنا، وبقدراتنا؟ وأن نوظف عناصر الأخوة، والمصير، والمصالح المشتركة، والأمن القومي المشترك، ونعيد الأمن النفسي، والاطمئنان العقلي للقيادات العربية؛ حتى تستطيع أن تستعيد ما فاتها في مرحلة الشك والريبة؛ ليؤمن الجميع بفكر مشترك، وتصور أمين، وإدراك مؤكد بأن مصلحة األأمة العربية، وأمنها جزء واحد لا يتجزأ؛ مطالبا بأن نتعلم من زايد بن سلطان آل نهيان؛ رائد الوحدة، وحامل علم التضامن، كيف نقتلع الخوف من عقولنا، ونزرع في قلوبنا الإيمان بالله والثقة في قدراتنا، والأمل في قيادات أمتنا العربية؛ وبأنها قادرة -بإذن الله- أن تجمع قواها، وتعيد بناء ما تصدع من روابط، وتضمد الجروح، وتعتمد الحوار طريقا لمعالجة ما يطرأ من أمور، وأن تستعين بصلة الرحم والقربى؟ وأن نؤمن بأنه لا يمكن أن يحل الغريب محل الشقيق، ولا يمكن للغريب أن يكون أكثر حرصا من القريب.

وإليكم ما طرحه المؤلف من رؤى وأفكار في الكتاب

الفصل الثاني

متى يخلع العرب لباس الخوف؟!

العقل العربي في حيرة، والفكر مضطرب ومشتت؛ فكلما أراد المواطن العربي البحث والسؤال عما يجري على الساحة العربية من أحداث غريبة؛ ليدرك ويفهم ما يتفاعل في نفسه، بين أصالة هذه الأمة، وتاريخها في الشهامة والبطولة والتمرد على الخوف من جهة، وبين ما هو واقع يعيشه في كل الأقطار العربية من تبلد في المشاعر، وشلل في العقل، وانشغال عما يتهددنا من أخطار -حاضرا أومستقبلا- من جهة أخرى.

وكلما كاد المواطن العربي أن يصل إلى أعماق الأحداث، وحقيقتها ودوافعها، يجد نفسه وقد دخل في دوامة لا قرار لها؛ وذلك نتيجة أساليب التضليل التي تبثها أجهزة الإعلام العربية؛ نقلا عن دعايات أجنبية موجهة، أوبيانات عربية تبنت وجهة نظر أمريكية، لا تخدم المصلحة القومية؛ بل تريد للأقطار العربية أن تستمر في غيبوبة الفكر، وتبلد المشاعر؛ حتى تستطيع في وضح النهار أن تستمر في نهب ثروات الأمة العربية، واستنزاف خيراتها، والتشكيك في قدراتها؛ لتحقق في النهاية أمن إسرائيل؛ الذي تُعده الولايات المتحدة الأمريكية  فوق مصالح الشعب األمريكي، وفوق كل الاعتبارات.

لقد استخدمت قوى القهر والغدر، وسائل الإعلام المختلفة والموجهة، واستطاعت من خلا تنظيمها المحكم أن تتغلغل في أماكن اتخاذ القرار في أمريكا وأوروبا، فقامت بشن حرب نفسية منظمة؛ تسعى بكل الوسائل الشيطانية إلى أن تجعل القيادات العربية تعيش في جو من الشك، والريبة،والخوف من بعضهم.

لقد استطاعت تلك القوى الشريرة، أن تستخدم الترويع، والتخويف، والتشكيك؛ أسلحة تحقق مآربها، وأن تجعل الإرهاب الفكري وسيلة؛ لترسم صورة ذهنية في العقل العربي؛ بأنها الأقرب لنا من أشقائنا، وأنها هي التي تحمي الأنظمة، وترعى الأمن، وتدعم الاستقرار مما يهددنا من جيراننا، وأنها الأكثر حرصا على مصلحة أمتنا العربية؛ فالتاريخ يعيد نفسه.

إن ذلك هو ما حاولت أوروبا -في الماضي القريب- تقديمه للقيادات العربية، بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، واستطاعت أن تتغلغل في عقول الساسة العرب يومذاك، وتقنعهم بأن هدفها توحيد الأمة العربية. لكن الواقع هو أن بريطانيا وفرنسا؛ قد اتفقتا على تقسيم الوطن العربي بينهما؛ بما عرف باتفاقية (سايكس بيكو). ومع الأسف فقد صدق العرب تلك الوعود، وسقطوا في براثن الخديعة، وتم اقتسام الدول العربية بين استعمار بريطاني، واستعمار فرنسي. ولم يعرفوا الرحمة؛ فداسوا على كل القيم، واستباحوا كل المحرمات، ونهبوا الثروات حتى الآثار التاريخية؛ لم تسلم من السرقة.واليوم مرة أخرى يسوقون لنا بضاعة الأمن والاستقرار؛ بوسائل تتفق مع العصر الحديث؛ أهمها الوسائل الإعلامية التي تغلغلت في العقول، وصدقتها

القلوب، وترجمتها أنماط السلوك التي ظهرت في العلاقات بين الدول العربية، واستطاعت تلك السياسة الخبيثة أن ترسم صورة مشوهة للأشقاء، وجعلتها تستقر في عقول الكثير من القيادات العربية؛ بوصفها حقيقة مسلم بها؛ يترتب عليها الطاعة في تنفيذ التعليمات الصادرة تحت غطاء الأمم المتحدة، وترجمتها

إلى وسائل عملية في مجال المقاطعة الاقتصادية، وغلق الحدود الجغرافية، وعزل الدول العربية عزلا تاما، حتى إن بعضها فقد سيادته، وأصبح تحت الوصاية بكل مقدراته الاقتصادية، كما يحدث للعراق منذ عشر سنوات وكماحدث للجماهيرية الليبية؛ بسبب المقاطعة الاقتصادية إبان قضية لوكيربي.

ومن المؤسف أن يصدر القرار في واشنطن، وتنفذه الدول العربية بكل أمانة وإخلاص؛ بالرغم من أن غالبيتها تعلم جيدا حقيقة الأهداف التي تسعى إليها القوى العظمى، وأهمها السيطرة على منابع النفط، واستغلالها بما يخدم مصالح شعوبها، فهم ليسوا معنيين أبدا بالشعوب العربية.

 إن الأمة العربية، بذلك ترتكب جريمة في حق نفسها، جريمة الصمت عما يجري من سقوط عشرات الآلاف من الأطفال في العراق، وجريمة المشاهدة والاستمتاع؛ بما تقوم به إسرائيل من عدوان غادر كل يوم يحصد العشرات في لبنان، وجريمة الاستسلام، والقبول بالموت البطيء، بدون أن يكون لأمتنا رد فعل إيجابي يضع حدا لذلك الغرور والجبروت.

هنا يتساءل المواطن العربي في كل مكان؛ ماذا حدث لنا؟ هل غاب عنا الإدراك، والوعي، وشلت إرادتنا؟… هل نخشى شر ا إذا ما سعينا لتحقيق مصالحنا الوطنية، واتخذنا الوسائل الكفيلة بحماية أمننا القومي؟… هل نخشى على مواقعنا من أمر ما لا نعرف ما يخبأ لنا فيه؟… هل خارت قوانا واستسلمنا للمجهول؟… هل نسينا الله فأنسانا أنفسنا؟

إذن إلى أين نحن سائرون؟ وكيف نستطيع أن نعيد الثقة بأنفسنا، وبقدراتنا؟ومتى نوظف عناصر الأخوة، والمصير، والمصالح المشتركة، والأمن القومي المشترك، ونعيد الأمن النفسي، والاطمئنان العقلي للقيادات العربية؛ حتى تستطيع أن تستعيد ما فاتها في مرحلة الشك والريبة؛ ليؤمن الجميع بفكر مشترك، وتصور أمين، وإدراك مؤكد بأن مصلحة األأمة العربية، وأمنها جزء واحد لا يتجزأ؛ وليترجم هذا التوجه بإيجاد آليات عملية؛ تنشط عناصرالتكامل، والتلاحم بين إمكانيات الدول العربية- عملا وفعلا- كيف يمكن أن تتجاوز قيادات الأمة العربية الحاجز النفسي فيما بينها؛ في الوقت الذي تم فيه إسقاط جميع الحواجز، وإلغاء كل المحرمات مع العدو الإسرائيلي؟

كيف يمكن أن يكون صاحب مجزرة دير ياسين في فلسطين، وضحايامدرسة بحر البقر في مصر، والشهداء في فلسطين ولبنان، وآلاف الضحايا من أبناء أمتنا العربية، أكثر أمنًا لنا من الأشقاء، وأقل خطورة من الأقرباء؟ أين المؤمنون الذين وصفهم الله في كتابه الكريم بقوله تعالى:  ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَٰنًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ (آل عمران /173)

أين ذلك الإيمان؛ ونحن أمة الرسالة الداعية للتضامن، والوحدة والتعاون في سبيل الله؛ لنقاوم قوى الشر، والبغي، والطغيان لإرساء قواعد العدل والسلام؟ فهل ضرب الخوف كل تحركاتنا؟وهل استطاع أن يقضي على أية محاولة للتقارب والالتقاء فيما بيننا من أجل حوار عقلاني نتباحث خلاله في شئوننا ومستقبلنا؟

لقد أصبحنا نخاف حتى اللقاءات على مستوى القمة العربية؛ لأنها صارت شبهة،  وغدا الكثير يخشى أن يَّتهم بتأييد اجتماع القمة العربية؛ لذا نجد القادة يستحدثون حججا واهية؛ لاستبعاد لقاءات القمة العربية؛ وكأنهناك تحذيرا، وخطوطا حمراء تصل إليهم من مكان ما؛ وترفض أن يتم أي لقاء عربي؛ خوفا مما قد ينتج من ذلك اللقاء؛ فيضر بأمن إسرائيل، أو يحد من طغيانها، أو يعيق حركتها.

 ولكن بالرغم من التخاذل والاستسلام؛ فقد بقي صوت واحد طوال السنين، ومازال يدعو القادة العرب إلى ضرورة عقد اجتماعات منتظمة للقمة العربية، ويدعو العالم أجمع لرفع المعاناة عن الشعب العراقي، ويطالب المجتمع الدولي بالاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على تراب وطنه، ويسأل الذين يتشدقون بحقوق الإنسان، أين هي حقوق الإنسان؟ هل حقوق الإنسان ما يعانيه الشعب الفلسطيني من ظلم واحتلال واغتيال؟ أم أنها تعطي الحق لإسرائيل أن تغتال الأطفال في لبنان، وتهدم البيوت على سكانها، وتدمر البنية التحتية من كهرباء وماء؟ أم أن حقوق الإنسان التي ظهرت في أبشع صورة في هذا العصر من محاولة اغتيال شعب بأكمله في العراق؛ يعامل معاملة لا إنسانية بعد أن صودر اقتصاده ووضع تحت الوصاية الدولية؟

ذلك الصوت الوحيد الذي يمثل الضمير الحي للأمة العربية؛ ينطلق من دولة الإمارات العربية المتحدة؛ والتي بقيادتها تسعى دائما لخيرالعرب، وتتفاعل مع آمالهم. فتعالوا لنتعلم من زايد بن سلطان آل نهيان؛ رائد الوحدة، وحامل علم التضامن، كيف نقتلع الخوف من عقولنا، ونزرع في قلوبنا الإيمان بالله والثقة في قدراتنا، والأمل في قيادات أمتنا العربية؛ وبأنها قادرة -بإذن الله- أن تجمع قواها، وتعيد بناء ما تصدع من روابط، وتضمد الجروح، وتعتمد الحوار طريقا لمعالجة ما يطرأ من أمور، وأن تستعين بصلة الرحم والقربى؟

علينا أن نؤمن بأنه لا يمكن أن يحل الغريب محل الشقيق، ولا يمكن للغريب أن يكون أكثر حرصا من القريب. فلنتوجه جميعا بالدعاء إلى الله – تعالى- أن يجمع شمل أمتنا، ويضيء بصيرة قادتنا، ويجعل التراحم والتسامح بينهم سبيلا للتلاقي والتعاون. تعالوا نقتلع الخوف، تعالوا للقاء وحوار، وذروا الخوف من المجهول.

تعالوا أيها الإخوة نرفع عنا الظلم، تعالوا نقتلع الريبة من الأعماق، تعالوا لندوس الخوف، ولترتفع الأعناق؛ فنحن قوم لا إلا  الله -جّل جلاله-.

Leave A Reply

Your email address will not be published.