المفكر العربي علي محمد الشرفاء يكتب: تصويب الخطاب الإسلامي .. لماذا؟
سبق وأن نوهت بمقالات عدة بضرورة تصحيح مصطلح «الخطاب الديني»، ليكون «تصويب الخطاب الإسلامي»، لأهمية ذلك في تحديد المقصود بأن الخطاب هو «الخطاب الإسلامي» الذي يعتمد التفكّر في رسالة الإسلام وهو القرآن الكريم الذي تشع آياته علمًا ونورًا، حرية وسلامًا، إحسانًا وتسامحًا، رحمة وعدلًا، أمانة وعبادة، تعاونًا وتكاتفًا.
فالخطاب الإسلامي الذي أنزله الله تعالى على رسوله الكريم في كتاب مبين لا يُجدد، لأنه ليس بقديم أو تقادمت عليه القرون وأصبح من الضروري تجديده. فرسالة الإسلام ستظل كما أنزلها الله على رسوله إلى أن تقوم الساعة، وقد تحدى الله عباده فيمن تكون لديه القدرة على أن يأتي بآية من عنده بقوله سبحانه: «قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا» (الإسراء: 88).
وقوله سبحانه: «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ» (يونس: 38).
تصحيح مصطلح الخطاب الديني
لذلك سيظل القرآن حيًا يتفاعل مع الأحياء في كل العصور، يتّبعون نور الله ليخرجهم من ظلمات النفوس وأمراضها وتوحشها إلى نفوس راضية مطمئنة، تتنزل عليهم البركات والرحمة لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ومن أجل ذلك أنبه بأن التجديد لدين الإسلام استهانة بعظمة كلمات الله في تكرار مصطلح لا يتفق مع عظمة الآيات ولا مع هدي الله لعباده إلى طريق الخير والصلاح، لأن المسلمين تراجعوا وتخلفوا عن ركب الحضارة الإنسانية في التقدم والتطور الذي يدعوهم له القرآن، والتفكر والبحث واستجلاء حقائق الكون، ليوظفوا ما أنزل الله على الناس من نعمة في خدمة الإنسان ومنفعته في الحياة الدنيا.
يجب اتفاق الجميع على تصويب الخطاب الإسلامي
وأخشى ما أخشاه أن ينعقد المؤتمر ويتبارى الخطباء كل يستعرض موهبته وبلاغته، وكان الأولى بالأزهر الذي سيدعونا لعقد مؤتمر تصويب المفاهيم للخطاب الإسلامي، أن يضع أجندة اتفق عليها المسلمون بكل طوائفهم ومذاهبهم وفِرقهم وهو كتاب الله المشترك بينهم جميعًا ليستنبطوا من كتاب الله التشريعات الإلهية وعناصر الفضيلة والأخلاق وما تدعو إليه من قيم نبيلة تضع قاعدة لأسلوب المعاملة الطيبة بين بني الإنسان على مختلف إنتماءاتهم وأجناسهم، وإبراز الأوامر الإلهية في التاكيد دومًا على التراحم بين الناس والحكم بالعدل وتحريم الظلم بكل أشكاله معنويًا أو ماديًا.
لأن أي خروج على كتاب الله الذي يؤمن به جميع المسلمين سيؤدي إلى فشل ذريع وخطير قد يقفل الباب نهائيًا نحو تصحيح المفاهيم المغلوطة لدى الناس عن الإسلام.
وسيشكل نكسة للمسلمين لأن بعض القائمين على المؤتمر تجرهم مرجعياتهم الماضية والتي وصفهم الله في آياته: «تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (البقرة: 13)
وترى الذين هجروا القرآن يرددون ويحتجون على الله بقولهم كما فال تعالى: «بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ» (الزخرف: 22).
ذلك ما أخشاه أن يتم إقحام أهل الروايات التي مزقت المسلمين وجعلت لهم مرجعيات متناقضة ساهمت في قطع الأعناق فيما بينهم.
ولذلك لمصلحة الإسلام واتّباعًا لمنهج الرسول عليه الصلاة والسلام وتنفيذًا لأمر الله الذي سيحاسب الكل يوم الحساب بما عصوا لأمره في قوله سبحانه: «اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ» (الأعراف: 3).
حتى لا يكون المؤتمر دعائيًا
ومن أجل قدسية القضية وخطورة المهمة، أرجو من الأزهر أن يتريث في عقد المؤتمر حتى يتم إعداد وثيقة توضح حقيقة رسالة الإسلام، مؤسسة على كتاب الله المبين الذي جلَّ وعلا كل كتاب من خلقه لتكون كلمة الله دومًا هي العليا.
ولكي يقدم الأزهر صورة مشرقة للعالم عن رسالة الإسلام التي تدعو للرحمة والعدل والحرية والسلام والإحسان والتسامح والتعاون، وتحقيق الأمن والاستقرار لكل المجتمعات الإنسانية ليتم التعارف بينهم والتعاون لمصلحة الناس جميعًا.
فإذا كنا قد انتظرنا أربعة عشر قرنًا للوصول إلى إدراك ضرورة إزالة الغبار المتراكم على الآيات وإعلاء كلمة الله على الروايات وما خلفته من ظلم وصراع واقتتال بين المسلمين، حتى أصبحت الكراهية والتعالي والحقد والحسد والطمع والظلم فيما لا يستطيعون التخلي عنها، أفلا يستحق موضوع «تصويب مفهوم الخطاب الإسلامي» عدة أشهر لما له من أهمية قصوى على المسلمين يتطلب البحث والتمحيص بكل تجرد في آيات الله وما تدعو إليه من خير للإنسانية جمعاء.
لذا فإنني أهيب بسيادة الرئيس صاحب النداء التاريخي، الذي ألهمه الله بأن ما يجري على الساحة العربية من قتل وتدمير للمدن والقرى وتشرد الأسر يهيمون على وجوههم إلى المجهول، أدرك بإيمانه ورؤيته بأن كل ما جرى ويجري لا علاقة له بالإسلام، ولا بد من حصول فهم خاطىء لكتاب الله الرحمن الرحيم، وصدَح بالنداء من أجل تصويب الخطاب الإسلامي فهمًا ودراسة وبحثًا، واستنباط ما في آياته من خير تمنع الفساد وتحرم الظلم وقتل الأبرياء.
لذلك يا سيادة الرئيس حتى لا يكون المؤتمر إرضاءً لك حتى ترضى، ولا يكون مؤتمرًا دعائيًا لإقناع الناس بأن الأزهر قام بدوره، ولكنها أمانة سنحاسب عليها جميعًا أمام الله تعالى.
وقد حذرنا سبحانه جميعًا فى قوله: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ» (البقرة: 159).
تشكيل لجنة لإعداد وثيقة (الإسلام دعوة للسلام)
فلا بد من إعطاء الوقت الكافي ليتم تشكيل لجنة يشترك فيها بعض من علماء الأزهر، وبعض المفكرين الذين لهم دراسات في تبيان مقاصد الآيات، وبعض المستشارين من القضاة الكبار المشهود لهم بالنزاهة والضمير لكي يعدّوا وثيقة بعنوان (الإسلام دعوة للسلام)، مستمدين أسانيدهم من آيات الذكر الحكيم.
تلك أمانة فى أعناق المدركين للاستجابة لندائكم المخلص في تخليص الإسلام مما شابه من التشويه والتحريف. وسيجازيك الله خيرًا ويعينك على مسؤولياتك الجسام.
وتوكل على الله في مسيرتك، وسوف ينصرك الله نصرًا عزيزًا، وسيتوارى الفاشلون والثعالب أينما وجدوا، وسيحقق الله آمالك في رفعة الشعب المصري ليتحقق له التقدم والتطور والعيش الكريم.