الحلقة الأولى من كتاب “ومضات على الطريق العربي” للمفكر العربي علي محمد الشرفاء
مرحبا بكم أعزائنا القراء والمتابعين سوف نستكمل معكم النشر اليوم بعض آراء وأفكار المفكر العربي حول موضوع جديد وكتاب جديد كنا قد نوهنا عنه في الحلقة الثلاثين والأخيرة من كتاب”المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي.
وكتاب اليوم بعنوان” ومضات علي الطريق العربي “وهو عبارة عن دراسات ومشاريع و حلول لواقع المستقبل العربي في القرن الواحد والعشرين وفي الحلقة الأولي من الكتاب يستعرض المؤلف علي محمد الشرفاء الحمادي كيف بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم حاملا راية التوحيد وداعيا لتحرير الإنسان من كافة أشكال العبودية، وكيف كانت الأمة العربية سباقة لكل الأمم في طرح أسلوب الحوار الهادف، طريقا لتحقيق مصلحة كل الأطــراف، ثم كيف أضحت أيامنا معارك كلامية بدون هدف وبدون مصلحة أيا كانت، جاعلا من هذا الطرح مدخلا لبداية الكتاب، ومفتتحا للجزء الأول والحلقة الأولي منه.
وإليكم ما طرحه المؤلف من رؤى وأفكار في الكتاب
الفصل الأول
الأمة العربية والقرن الواحد والعشرون ..الجزء الأول
لقد تشـرفت الأمة العربية برسـالة إنسانية سامية حملها ابـن مـن أعظم أبنائها وأشرفهم نسباً ومكانة، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فحمل راية التوحيد، ودعا لتحرير الإنسان من كافة أشكال العبودية، ووضع أسساً لحياة متحضرة راقية مبنية على قيم سماوية سامية، أولها العدل وآخرها الرحمة، وبينهـما تعاليم أخلاقيـة متصلة بعضها لبناء المواطن الصالح، وما قررته الرسالة السماوية من نصوص واضحه، وأوامر إلهيه لا تقبل الجدل، في وضع أسس جلية من أجل حقوق الإنسان، وتحريره من كل ما يعوق حركته في حياة كريمة، سواء في اختيار دينه أو أسلوب حياته، بشرط ألا يترتب على سلوكه ضرر لنفسه أو لغيره.
تلك مبــادئ السلوك الحضاري في طريقة التعامل بين الإنســان وأخيه الإنسـان.
حيث نقرأ في القــرآن الكريم، ونستلهم منه أكمــل صور الحوار وأعظمها بين الخالق سبحانه وملائكته وبين الخــالق وعبـاده، بدون بطش أو مصادرة لرأي.
يعلمنا ســبحانه كيف يكون الحـوار الذي يخاطـب العقل بالمنطق تارة وبالأمثال تارة أخرى؟ ويطلعنا على النتائج من خلال العرض الرائع لأحداث من سبقنا من الأمم لنتلافى أخطاءهم، حتي يأمن الطريق الذي نسير فيه.
ومن ذلك المنطلق فإن الأمة العربية كانت سباقة لكل الأمم في طرح أسلوب الحوار الهادف، طريقا لتحقيق مصلحة كل الأطــراف، وتوفيرا للجـهد والمال والدم، وعلاجا لموقف أكثر خطورة من الخلافات وجهات النظر، أو مشاكل الحدود بين القادة العرب، والتي تكاد أن تنسف ما تبقى من روابط الأخوة، وتقطع أواصر العروبة، وروابط المصير المشــترك.
وعلينا أن نبرز الصــورة الحضــارية المستمدة من تعاليم ديننا الحنيــف، وقيمه في التعامل فيما بين أمتنا العربية ،حيث إن على كل واحد منا أن يتقدم إلى صاحبه بمد يد المودة والســلام، على أساس اتباع رسالة محمد عليه الصـلاة والسلام واتباعا للآية الكريمة:
(ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (الآية 125 سورة النحل) .. والآية الكريمة (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) صدق الله العظيم (الآية 34 سورة فصلت)
لقد أردت بهذه المقدمة أن تكون مدخلا لمناقشة الواقع العربي، وحال القيادات السياسية، استعدادا لدخول القرن الواحد والعشرين، وما يمثله من تحديات.
أخشى أن تقف الأمة العربية حيالها موقفا يزيد من معاناة أبنائها، ويضيف اليها مزيدا من الكوارث، وذلك حينما لن تقوى على مواجهة أعاصير التطور الاقتصادي الذي بدأ يتشكل منذ سنوات عديدة ممثلا في كتل سياسية واقتصادية واجتماعية تدخل بقوة الى عالم القرن الواحد والعشرين.
فأين نحن من ذلك؟ ها قرن ينسل من أمام أعيننا بدون أن نستغله، فمرت أيامه غير نادمة علينا، لأننا لم نستثمر طاقاتنا وإمكانياتنا كأمة واحدة، ونقوم بتطوير علاقاتنا بعضنا بالبعض، لنحقق بها تكاملا يجمع عناصر القوة، ويوظف كافة الوسائل المتاحة، لنتمكن من تحقيق الأمن القومي للأمة العربية اقتصاديا وسياسيا ونحقق لكل مواطن العيش الكريم.
لقد كانت أيامنا معارك كلامية بدون هدف وبدون مصلحة أيا كانت وشعارات قومية بدون مضمون ولا عقيدة، ومصطلحات وزعت ألقابا، وصنفت شعوبا منها التقدمي، ومنها الرجعي، ومنها المتخلف ، فضاعت آمال بسطاء العرب أمثالي في كل مكان، حيث كانوا يحلمون كل يوم بوحدة تصون عزتهم، وتحقق أمنهم، وتطور معيشتهم، وتصد كيد أعدائهم، وتحقق لهم في مجتمعاتهم ما نصت عليه شريعة السماء من حقوق تحفظ لهم كرامتهم، وتدافع عن قناعاتهم وكياناتهم.
لقد دخلنا القرن الجديد، وعلينا أن نعود الى أسلوب الحوار المنطقي والهادئ، الذي دعانا إليه الرسول الأعظم، حتى نستطيع أن نخرج من حالة التمزق والتشتت ونتحرر من الحلقة المفرغة والمفزعة. فكيف يمكن ذلك؟
أولا:
لابد من وضع ميثاق جديد تتحدد فيه العلاقات العربية بأسلوب واضح وملتزم، مع تحديد صريح لواجبات كل دولة عربية مما يضمن لها من حقوق، وما عليها من التزامات في وقت السلم وكذلك وقت الاعتداء على إحداهما من خارج المجموعة العربية.
ثانياً:
وضع إطار لأسلوب التعامل فيما بين الدول العربية على أساس الاتصال المباشر والحوار المستمر لإنهاء أي خلاف، وأن تتم معالجته بالسـرعة التي تجعل الأمـر محصـوراً بيـن القـادة منعـاً لأيـة تداعيات تنعكس سـلباً على الشعوب، وتزيد من ابتعـاد هـذه الأمـة عن أهدافها وتساعد أعداءها على استغلال أية نقطة ضعف فيها.
ثالثاً:
إعـادة النظر في ميثاق الجامعة العربية، لتفعيلها وإعادة هيكلتها، بحيث تكون لديها القـدرة علـى تحمل مسـئوليات الألفية الجديدة، وما تتطلبه من مؤهلات، وإمكانيات، وكذلك السياسات التى تستوعب هذه المتطلبات، وذلك كما يأتي:
2. تشكيل محكمة عربية، تكون إحدى الدول العربية مقراً لها، ويتم اختيار القضاة من خلال ترشيح كل دولة عربية لقاض من عندها، ثم يتم تعيين خمسة قضاة للمحكمة من خلال إجراء نظام الاقتراع بين الأعضاء المرشحين، ويتم تكرار ذلك الترشيح كل خمس سنوات.
3. تنظر المحكمة في القضايا الخلافية بين الدول العربية، وترفع حكمها إلى مجلس الجامعة للمصادقة عليه، ويكون الحكم ملزماً لجميع الأطراف.
4. إنشاء مجلس الأمن القومي العربي، ويشكل من قادة القوات المسلحة في الدول العربية، وتكون له أمانة خاصة مقرها في الجامعة العربية، ويكون المجلس مسئولا عن تنفيذ ما يأتي:
أ. وضع النظم والإجراءات الكفيلة بتفعيل معاهدة الدفاع المشترك، والموقعة من قبل الدول العربية.
ب. تحقيق الاتصال بالقيادات العسكرية في الدول العربية، والقيام بالتنسيق فيما بينها.
ت . ترتيب التعاون بين القوات المسلحة في كل من الدول العربية، و ذلك من خلال إجراء المناورات السنوية ضمن برنامج معد لذلك، لكي يتمكن كل فريق من التعرف على نوعية السلاح عند الفريق الآخر، وتوحيد المصطلحات العسكرية؛ حتى يتم التوصل إلى تحقيق وحدة كاملة في النظم والمعلومات، والتواصل المستمر عن طريق تبادل الخبرات العسكرية بين الدول العربية.
ٹ . وضع الخطط اللازمة لاتخاذ أية إجراءات عسكرية تتطلبها المصلحة القومية، سواء كانت للدفاع عن دولة عربية تعرضت للعدوان، أو التدخل لمنع الاشتباك بين دولتين عربيتين، حدث بينهما خلاف قد يؤدي إلى صدام؛ وبذلك نمنع الكثير من الكوارث التي حدثت في القرن العشرين
رابعا: إنشاء بنك عربي رأس ماله لا يقل عن خمسين مليار دولار، تكون مهمته تصحيح الهياكل المالية في الدول العربية، وتطوير إمكانياتها الاقتصادية، حتى تستطيع الخروج من الكبوة الاقتصادية، وكذلك وضع خطة خمسية تأخذ في الحسبان الدول التي لديها إمكانات وثروات يمكن استثمارها لتحقيق مردود اقتصادي لفترة لا تزيد عن خمس سنوات و اتباعها بكل دقة؛ على أن يكون أداء البنك وسیاسته التنفيذية معتمدين على الدراسات الاقتصادية؛ حتى يستطيع البنك معالجة الخلل المالي تباعا في الدول العربية، وهو الأمر الذي يعني أن الأمة العربية إذا استطاعت أن تضع الآليات العلمية العامة، وتسخر فوائضها المالية في خدمة الاقتصاد العربي، فإنه سيتحقق لها ما يأتي:
1. ستكون الاستثمارات العربية في مأمن من التجميد، أو المصادرة أو التلاعب؛ كما حدث في أمثلة كثيرة الكل يعلمها، عندما قامت الولايات المتحدة بتجميد أرصدة الجمهورية الليبية .
2. المردود المالي على الاستثمار العربي ستكون فوائده مضمونة، وسيفوق كل ما تحصل عليه الاستثمارات العربية في الدول الغربية من فوائد هزيلة، وأحيانا فقدان رأس المال في الاستثمارات الدولية.
3. تلك الاستثمار العربي مشاريع حقيقية منتجة، وتكون الدول العربية سوقاً لها؛ إذ إن الدول العربية تستورد من الخارج سنويا ما قيمته أكثر من 65 بليون دولار في مجال الغذاء فحسب، كان من الممكن أن يتم توجيه هذه المبالغ للمنتج العربي، فتكون عاملا مهما في ازدهار المجتمعات العربية المنتجة.
4. سوف تحقق الدول العربية – التي تواجه صعوبات في تسويق مواردها الطبيعية – إفادة عظيمة في تطوير ثرواتها، وتحقيق أهدافها في التنمية وتوفير فرص العمل، وهو الأمر الذي سيساعدها على الاستقرار والنمو، ويمنع عنها الهزات السياسية، والانقلابات العسكرية.
كما يمكن أن يتم إنشاء مكتب للدراسات الاقتصادية، يكون تابعاً للينك وذلك للقيام بدراسة الأوضاع الاقتصادية، وإعداد خطة لكيفية استغلال الموارد الطبيعية في الدولة التي يتم الموافقة على تقديم الدعم المالي لها. وعلى سبيل المثال فإن جمهورية السودان التي يتوفر فيها مليون فدان ؛ فإنها قادرة على أن تمد العالم العربي بالغذاء، وتحقق له الأمن الغذائي.
ويستطيع البنك إعداد مشروع طموح لاستغلال ذلك، ومن ثم يمكن أن تعود على السودان نتائج اقتصادية كفيلة بحل مشاكله المالية، وتوفير فرصا للعمل، قد تتجاوز عشرات الآلاف، وهو الأمر الذي يتيح لأبناء السودان حل مشكلة البطالة، ويحولهم إلى طاقة منتجة. وهكذا يستطيع السودان أن يخرج من مشاكله الاقتصادية، ويعتمد على نفسه. و بالأسلوب نفسه يتوجه البنك الدراسة اقتصاديات دولة أخرى، والنهوض بثرواتها واستغلالها فينتج عن ذلك في غضون خمسة وعشرين عاما أو أكثر قليلا- أن تكون الدول العربية قد تعافت من أزماتها الاقتصادية، واستغلت ثرواتها الطبيعية التي تبحث عن التمويل المالي، علاوة على ذلك الربح الذي سيتحقق للأموال التي قام باستثمارها الينك.
خامسا: نظرا للتطورات الاقتصادية المتلاحقة في عصرنا الحاضر، وانتهاء الصراعات والمواجهات بين معسكرات القوتين الشرقية والغربية فإن هذه التطورات والتغييرات قد فرضت أسلوبا جديدا في صراع البقاء، ألا وهو ما أسميه ( الصراع الاقتصادي) والذي أعده – في رأيي المتواضع – أشرس وأخطر أنواع الصراع في الحاضر والمستقبل لأن هذا الصراع سيكون متمثلا في صدام قدرات اقتصادية، ذات إمكانيات تخطيطية، وأساليب تسويقية؛ تعتمد أساسا على نوعية الإنتاج، و السعر المنافس، وسرعة الحركة ومرونتها، والتكيف مع متطلبات السوق بكل الأخلاقيات والقيم الجديدة التي تسوده في الوقت الحاضر، وصولا إلى هدف رئيسي؛ وهو ضخ أكبر كمية من الإنتاج إلى أسواق جديدة.
ذلك الأمر يتطلب تخطيطا بعيد المدی؛ تشارك فيه جميع الفعاليات الاقتصادية ، سواء كانت حكومية، أو شبه حكومية، أو القطاع الخاص، بناء على استراتيجية شاملة تستهدف في النهاية زيادة الإنتاج الذي من شأنه إتاحة الفرص لتشغيل أكبر عدد ممكن من أبناء الوطن العربي ومن ثم يحقق مردودة الاستقرار للدولة؛ ويصبح كل فرد له دور في تسيير عجلة التطور والتنمية.
إن اتفاقية (الجات) من المفترض أن تفتح مجالا واسعا من التنافس والغزو السلعي اللامحدودة لأنها أعطت الحرية للسوق و للعرض والطلب، وهذا أساس التعامل في النظام الدولي الجديد؛ فالقضية لا بد أن تؤخذ بمأخذ الجد : حيث ستكون السيادة القوي في الساحة الاقتصادية، بينما يتراجع الضعيف، وتصبح الأسواق أسواقا استهلاكية، وما سيترتب على ذلك من أعباء خطيرة؛ منها ما سيسببه من تفشي داء البطالة، وما يشكله من أعباء على الدولة و من ثم تضطر الدولة إلى أن تضحي بأغلى ما عندها من مخزون استراتيجي، وثروات طبيعية، فتبيعها مرغمة بأقل الأسعار؛ حتى تتمكن من مواجهة مواقف سيرة لم تعد لها العدة من قبل، ويستمر التراجع والتخلف الاقتصادي إلى مدي لا يعلمه إلا الله.