تصويب الخطاب الإسلامي(9)..الحلقة العاشرة من كتاب ومضات علي الطريق ( المسلمون بين الآيات والروايات) للمفكر العربي علي محمد الشرفاء
أعزاءنا القراء من جديد نواصل معكم نشر الجزء الثالث من كتاب ومضات علي الطريق،(المسلمون بين الآيات والروايات) للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، وفي هذه الحلقة نستعرض معكم مقالة عن تصويب الخطاب الإسلامي (9) وسنوالي معكم النشر ،ضمن سلسلة من الحلقات.
يؤكد المفكر علي الشرفاء في هذه الحلقة على ضرورة تصويب الخطاب الإسلامي بدلاً من مصطلح “تجديد الخطاب الديني”، موضحًا أن الخطاب الإسلامي ليس فكرًا بشريًا حتى يحتاج إلى تجديد، بل هو وحي إلهي خالد أنزله الله في كتابه المبين، الذي تتجدد معانيه بتجدد الأزمان. ويرى أن واجب العلماء هو إعادة فهم الخطاب الإلهي واستنباط مقاصده الرحيمة والإنسانية من القرآن الكريم، لا الانشغال بمصطلحات تُفرغ الدين من جوهره. فالإسلام دعوة للتفكر والتعاون والرحمة، وليس بحاجة إلى تجديد بل إلى وعيٍ يعيد الأمة إلى نور كتاب الله ومقاصده في بناء الإنسان والمجتمع، وإلى نص ما كتب المؤلف.
تصويب الخطاب الإسلامي(9)..
لقد سبق ونوَّهتُ في مقالات عدة بتصحيح مصطلح «الخطاب الديني» ليكون «تصويب الخطاب الإسلامي» بدلا منه، لأنه لا بد من تحديد المقصود بأن الخطاب هو الخطاب الإسلامي الذي يعتمد على التفكر في رسالة الإسلام وهو القرآن الكريم الذي تشع آياته علماً ونوراً، وحرية وسلامًا، وإحسانًا وتسامحا، رحمة وعدلًا، أمانة وعبادة، تعاونًا وتكاتفاً.
فالخطاب الإسلامي الذي أنزله الله على رسوله الكريم في كتاب مبين لا يُجَدِّدُ، لأنه ليس بقديم أو تقادمت عليه القرون، وأصبح من الضروري تجديده، فكلمات الله راسخة في الأرض والسماء، تتفاعل مع الأحياء وترشدهم لطريق النور حتى قيام الساعة.
ورسالة الإسلام ستظل كما أنزلها الله على رسوله، ما دامت السموات والأرض. وقد تحدى الله عباده فيمن تكون لديه القدرة على أن يأتي بأية من عنده بقوله سبحانه:)قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا( (الإسراء: ٨٨)، وقوله سبحانه: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) ( يونس: ٣٨).
لذلك، سيظل القرآن حيًا يتفاعل مع الأحياء في كل العصور، يتبعون نور الله ليخرجهم من ظلمات النفوس وأمراضها وتوحشها إلى نفوس راضية مطمئنة، تتنزل عليها البركات والرحمة، (لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (يونس: 62).
ومن أجل ذلك، أنبه بأن مقولة «التجديد لدين الإسلام»، استهانة بعظمة كلمات الله في تكرار مصطلح لا يتفق مع عظمة الآيات في الخطاب الالهي للناس، ولا مع هدي الله لعباده إلى طريق الخير والصلاح.
لأن رسالة الإسلام لا تحتاج إلى تجديد، بل إعادة البحث في الخطاب الإلهي لتتبين حقيقة الرسالة ومقاصدها الخيّرة للناس جميعًا، والاعتماد الكلي على مرجعية القرآن الكريم لتخرجنا من الظلمات إلى النور، لأن المسلمين تراجعوا وتخلفوا عن ركب الحضارة الإنسانية في التقدم والتطور الذي يدعوهم إليه القرآن والتفكر والبحث واستجلاء حقائق الكون، ليوظفوا ما أنزل الله على الناس من نعمة في خدمة الإنسان ومنفعته في الحياة الدنيا.
وحينما قرر الأزهر عقد مؤتمر لتجديد الخطاب الديني، شعرت بأنها محاولة يائسة للكف عن مطالبة الرئيس له باتخاذ ما يلزم لتصويب الخطاب الإسلامي
وأخشى ما أخشاه أن ينعقد المؤتمر ويتبارى الخطباء، كل يستعرض موهبته وبلاغته، وكان الأولى بالأزهر عندما قرر عقد مؤتمر لتصويب مفاهيم الخطاب الإسلامي أن يضع أجندة متفق عليها مسبقا عليه من المسلمين بكل طوائفهم ومذاهبهم وفرقهم، وهو كتاب الله المشترك بينهم جميعاً (القرآن الكريم) ليستنبطوا من كتاب الله التشريعات الإلهية، وعناصر الفضيلة والأخلاق، وما تدعو إليه من قيم نبيلة، تضع قاعدة لأسلوب المعاملة الطيبة بين بني الإنسان على مختلف انتماءاتهم وأجناسهم