المفكر العربي علي محمد الشرفاء يكتب: دور القرآن فى بناء مجتمع العدل والسلام

0

الملخص

تتوافق رؤية المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي مع  الفهم العميق للقرآن، حيث يؤكد في كتاباته أن العودة إلى القرآن الكريم كمنهاج حياة هو السبيل الوحيد لإصلاح النفس والمجتمع، والقضاء على التفرقة والانقسام بين المسلمين. رؤية الشرفاء تتماشى مع دعوة الله إلى اتباع ما أنزل إليهم من ربهم وعدم اتباع الأهواء والبدع التي تضلل الأمة عن مسارها الصحيح.

ويرى الشرفاء أن رحمة الله بخلقه تتجلى في توجيههم نحو الطريق المستقيم من خلال القرآن الكريم، الذي يُعدّ هدىً إلهياً يُرشد الإنسان إلى ما يصلحه وينفعه في الدنيا والآخرة. الله سبحانه بيّن في كتابه العزيز الطريق الذي يجب أن يسلكه المسلمون ليتجنبوا المعاناة في الدنيا والعذاب في الآخرة، محذرًا من الانحراف عن الذكر الحكيم واتباع الأهواء والروايات التي قد تضلهم عن السبيل القويم.

ويؤكد المفكر العربي علي الشرفاء أن القرآن الكريم، كما أكّد الله، هو المصدر الأول للهداية والرحمة، وهو الخريطة التي تقود الإنسان نحو حياة سعيدة ومستقرة، حيث تحكمها القيم الإنسانية مثل العدل والرحمة والتعاون. كل من يتبع هذه القيم وينير حياته بالقرآن يضمن له الله السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة، بينما يحذر القرآن من مغبة الابتعاد عنه والتعلق بالروايات التي شوهت رسالة الإسلام وقسمت المسلمين إلى طوائف متنازعة.

رحمة الله بخلقه وتوجيههم للطريق المستقيم

مــن رحمة الله بخلقه أن يبين لهم طريق الهداية، لما يصلحهم وما ينفعهم وما يضرهم في الحياة الدنيا والآخرة بقوله سبحانه: *(وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ 124 قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرۡتَنِيٓ أَعۡمَىٰ وَقَدۡ كُنتُ بَصِيرٗا 125 قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتۡكَ ءَايَٰتُنَا فَنَسِيتَهَاۖ وَكَذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمَ تُنسَىٰ 126)* (طه).

ثم يخاطب الله الناس بقوله سبحانه: *(ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ وَلَا تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَۗ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ)* (الأعراف: 3). هذا أمر إلهــي للناس جميعاً بعدم اتباع كتاب غير الذي أنزله الله على رســوله الأمين في القرآن الكريم حتى لا يضلوا طريق الخير والرشــاد، ويهديهم لما ينفعهــم ويصلح حالهم في الدنيــا والآخرة، ويجنبهم الشقاء في حياتهم الدنيوية، ويحميهم من حساب يوم القيامة: *(يَوۡمَ لَا يَنفَعُ مَالٞ وَلَا بَنُونَ 88 إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبٖ سَلِيمٖ 89)* (الشعراء: 88-89).

توضح الآية الكريمة أن هدى الله هو القرآن، الذي يجب على الإنســان تلاوته والتدبر في آياته ومعرفة مراد الله منه، من خير وصلاح لعباده، ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وليعيشــوا سعداء آمنين في الحياة الدنيا، ويأمنوا الحساب في الآخرة.

قيم القرآن في بناء مجتمع متكامل

تحكمهم التشــريعات الإلهية، التي تدعو للرحمة والعدل والســلام بين جميع خلقه من بني الإنســان، متبعين قيم القرآن والفضائل الإنســانية من عدم الظلم، واحترام حقوق الإنســان التي شــرعها الله في كتابه المبين، وعدم أكل أموال الناس بالباطل، وتحريم قتل النفس التي حرم الله، ومــد يد المســاعدة للفقراء والمســاكين، ونشــر التعاطف بين الناس، وإسعاف المرضى وإغاثة الملهوف، وكثير من الأخلاقيات الســامية التي يدعو القرآن الناس للتمسك بها سلوكاً وعملاً صالحاً لبناء مجتمع الســلام دون حقد أو غل أو حسد أو عداوة أو بغضــاء؛ مجتمع لا يوجــد فيه بائس ولا فقير، ولا جبار ولا حقير، كلهم إخوة في الإنســانية، ربهم واحد وخالقهم واحد وكتابهم واحد – القرآن الكريم – وإمامهم واحد – الرسول الأمين – وحسابهم يوم القيامة عنده، لن يفرق بين غني وفقير، ولا نبي ولا ســلطان، ولا جبار ولا ضعيف. الجميع يقفون بكل الذل والخشوع أمام رب الناس، وخالق الكون، لا يمتلكون شيئا من أمرهم.

القرآن كخارطة طريق للطريق المستقيم

حيث يصور للناس رب العالمين ذلك الموقف الرهيب بقوله: *(وَأَشۡرَقَتِ ٱلۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ وَجِيٓءَ بِٱلنَّبِيِّينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ)* (الزمر: 69).

من هنا وضع الله سبحانه وتعالى أمام عباده خارطة طريق لتهديهم إلى الطريق المستقيم، فلا يضلون ولا يُخدعون. وحين تقوم الساعة يوم الحساب فهم آمنون، حيث يخاطب الله الناس بقوله ســبحانه: *(قُلۡ أَيُّ شَيۡءٍ أَكۡبَرُ شَهَٰدَةٗۖ قُلِ ٱللَّهُۖ شَهِيدُۢ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَۚ أَئِنَّكُمۡ لَتَشۡهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخۡرَىٰۚ قُل لَّآ أَشۡهَدُۚ قُلۡ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ وَإِنَّنِي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ)* (الأنعام: 19).

وقولــه تعالى: *(إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ يَرۡجُونَ تِجَٰرَةٗ لَّن تَبُورَ)* (فاطر: 29).

التحذير من كتمان هدى الله ومخاطر الغرور بالدنيا واتباع الشيطان

في كثير من الآيات الكريمة التي تصف القرآن بالهدى وتحذر الذين يكتمون ما أنزله الله على رســوله من الآيــات البينات ليصرفوهم عــن الكتاب والذكر الحكيم. وقد أمر الله رسوله بإبلاغ هدى القرآن للناس لينير لهم طريق الحياة في الدنيا، وليعملوا عملاً صالحاً ينقذهم من عذاب النار يوم الحساب.

أي أن القرآن خارطة إلهية تعين الإنسان على تحقيق طموحاته في حياة كريمة، وتساعده على مواجهة الصعاب بالإيمان والصبر والثقة في وعد الله، حيث يقول سبحانه: *(وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَٰلِدِينَ)* (الزمر: 73).

فمن نســوا الله وغرتهم الحياة الدنيا، واتبعوا ما ســولت لهم أنفسهم الأمارة بالسوء، وعصوا الله ولم يتبعوا رســوله الأمين فيما بلغه عن ربه من آيــات تدعوهم لعمل الصالحات، وإقامة الصلوات، والإنفاق مما رزقهم الله، واتخاذ الرحمة معاملة، والعدل ممارسة، ونشر السلام والتعاون بين الناس، وارتكبوا المعاصي واتبعوا سبيل الشيطان. وأغوتهم الروايات، واتبعوا الفقهاء والمحرفين لرسالة الإسلام،

 وضلوا الطريق المستقيم، يصفهم الله بقوله سبحانه يــوم الحســاب: *(وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَتۡلُونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ رَبِّكُمۡ وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَاۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنۡ حَقَّتۡ كَلِمَةُ ٱلۡعَذَابِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ * قِيلَ ٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ فَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِينَ)* (الزمر: 71-72).

وقال سبحانه في وصف القــرآن: *(شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ)* (البقرة: 185).

دور القرآن في إنارة طريق الحياة

وقال تعالى: (فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ)* (البقرة: 97).

وقوله تعالــى: *(إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَيَّنَّٰهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أُو۟لَٰٓئِكَ يَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلۡعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ)* (البقرة: 159).

وكثير من الآيات الكريمــة تصف القرآن بالهدى، وتحذر الذين يكتمون ما أنزله الله على رسوله من الآيات البينات لصرف الناس وإبعادهم عن الكتاب والذكر الحكيم. وقد أمر الله رسوله بإيصال وإبلاغ هدى القرآن للناس لينير لهم طريق الحياة في الدنيا، وليعملوا عملاً صالحاً ينقذهم من عذاب النار يوم الحساب.

أي أن القرآن خارطة إلهية تعين الإنسان على تحقيق طموحاته في حياة كريمة، وتساعده على مواجهة الصعاب بالإيمان والصبر والثقة في وعد الله؛ حيث يقول سبحانه: *(إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٍ)* (الزمر: 10).

التراث الديني المحرف كسبب لتفرقة المسلمين

إن كل مــا يتعلق بالتراث الديني الكارثي الذي تســبب في تفرقة المســلمين وتشتيتهم الذي اعتمد على الروايات مرجعاً رئيسياً لمذاهب السابقين وتفسيراتهم، أحيط بها الهوى والتحريف لدين الرحمة والسلام، وهو كارثة بكل معنى الكلمة، وما تم اختلاقه كذباً وتزويراً على رســول الله نتج عنه تشــويه لأهداف الآيــات التي جاءت في القرآن الكريــم، وما فيها من مقاصد الخير والصلاح والمنفعة لكل الناس، وما تضمنته من تشريعات وعظات، وأوامر ونصائح وأخلاقيات لو اتبعها المسلمون لأصبحوا قادة للحضارة الإنسانية، تقدماً وعلمًا ورحمة وعدلاً وحريةً ومساواةً وإحساناً وتسامحاً، وتعاوناً بين جميع خلق الله على البِر والمنفعة لتحقيق الاستقرار للمجتمعات الإنسانية في كل مكان، يسودها الأمن والسلام على شريعة العدل الإلهي.

وحيــن طغت الروايات على الآيات، تفرق المســلمون إلى طوائف وفِــرق يقاتل بعضهــم بعضــاً. وما حوته من ســموم تشرَّبتها العقول حتى أصبحت مراجع لطوائف مختلفة ومذاهب متناقضة ومتصارعة، كل منها يعتبر نفســه هو الفئة المؤمنة الوصية على رسالة الإسلام، ويرى أن غيره من الطوائف على ضلال وكفر وردة ولابد من قتالهم.

Leave A Reply

Your email address will not be published.