«أسباب التفكك الأسري» (2)..الحلقة السادسة والعشرون الجزء الثاني من كتاب ومضات علي الطريق للمفكر العربي علي محمد الشرفاء
أعزاءنا القراء.. من جديد نواصل معكم نشر الجزء الثاني من كتاب ومضات علي الطريق، وهو عبارة عن مقترحات لتصويب الخطاب الإسلامي للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، الحلقة السادسة والعشرون بعنوان أسباب التفكك الأسري وفي الحلقة الثانية من المقال، تحدث المؤلف عن (الطلاق الشفوي). موضحا أنَّ الفهم الخاطئ لدى مذاهب المسلمين المختلفة لنصوص القرآن الكريم وأحكامه في الآيات الكريمة بشأن الطلاق وابتداع (الثلاث طلقات) التي لم يُرد بها نص قرآني في التشريع الإلهي، وإنما جاء نتيجة إغفالهم أحكام التشريع الإلهي ومقاصدها التي تحافظ على استمرار الحياة الأسرية، مؤكدا أنَّ (الطلاق الشفوي) يجب أنْ يُعتَبر (لغوّا) ومشددا على قول الله تعالى: (لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ «٢٢٥») (البقرة)، وإلى نص ما كتب المؤلف.
أسباب التفكك الأسري(2)
إنَّ الفهم الخاطئ لدى مذاهب المسلمين المختلفة لنصوص القرآن الكريم وأحكامه في الآيات الكريمة بشأن الطلاق وابتداع (الثلاث طلقات) التي لم يُرد بها نص قرآني في التشريع الإلهي، فيما يتعلق بالعلاقة الزوجية ولم يُدركوا مقاصد أحكام الآيات التي جعلت من العلاقة الزوجية علاقة تحكمها المودة والرحمة من أجل تحصينها حفاظا على سلامة الأسرة التي كونها الزوجان من الأبناء، وأصبحت الأسرة أساس المجتمع، ولذلك أصبحت هي الغاية الرئيسية من الزواج بين الذكر والأنثى، لإنجاب الأطفال وتربيتهم تربية أخلاقية سليمة ليكونوا رجالا صالحين في خدمة مجتمعهم.
فكم تشردت أُسر وضاع عشرات الآلاف من الأطفال، وكم حادَّ من النساء عن طريق الصواب، واتجهوا نحو الغواية وبيع أعراضهن لمن يدفع، دفعتهن الحاجة والفراغ مما تسببت تلك الحالة في انتشار الفساد والأمراض المختلفة التي تفتك بالناس.
تلك نتائج أحكام الطلاق الشفهي وما تسبب فيه من جرائم من تدمير للحياة الأُسرية، وجرائم خُلُقية نتيجة إغفالهم أحكام التشريع الإلهي ومقاصدها التي تحافظ على استمرار الحياة الأسرية، التي لم ترق إليها أفهام الفقهاء الأقدمين السطحية، حيث لم يدركوا بفهمهم قيمة الأسرة، بل اختصروا الزواج لصالح الذكر يستمتع بزوجته حسب إرادته، وله الحق في أن تنتهي علاقته معها بكلمة (أنتِ طالق) دون تقدير لما يترتب على ذلك من إشكالات وتعقيدات للأبناء الذين أنجبهما الطرفان، وما سيواجههم في حياتهم من متطلبات من مسكن ومعيشة وعلاج وتعليم..
تلك كانت مفاهيم فقهاء العصور الماضية حينما اعتبروا المرأة مُجرد مُتعة ليس لها حقوق ولا تعامل بالمساواة التي أقرها التشريع الإلهي.ومن لطف الله ورحمته، وَضَع أحكام الطلاق حمايةً وتحصينا لاستمرار الأسرة لرعاية الأطفال وتربيتهم والعناية بهم، من تعليم وصحة وسكن ومتطلبات معيشتهم.
وعليه، فإنَّ ما ورد من حُكم إلهي بشأن الطلاق في قوله: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ «٢٩٩») (البقرة).
وتأتي الآية الأولى في سورة الطلاق موضحة تنفيذ الآية المذكورة في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا «١») (الطلاق).
واتساقًا مع ما تحدده الآيتان المذكورتان ألا يتم انفصال الزوجين إلا بالشروط التالية :
أولا: الطلاق الأول: وهو أنه على الزوج إذا استحالت المعيشة بينهما أن يبلغ زوجته بأنّه قرر إنهاء العلاقة بينهما، خلال مدة العِدَّة وهي ثلاثة شهور مهلة لكليهما ولا يُخرجها من بيتها قال تعالى: (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا «١») (الطلاق).
فإذا عادت الأمور إلى مجاريها وتحقق الصلح بينهما، فعلى الزوج أن يُمسكها بالمعروف ويُعاشِرُها بالمودة والاحترام، والالتزام بتنفيذ التزاماته الشرعية تجاه زوجته وتأدية واجباته تجاهها ومتطلباتها القانونية، لتستمر الحياة نحو رعاية أطفالهما وتربيتهم لينشأوا افرادًا صالحين.
الطلاق الثاني: التسريح بالمعروف إضافةً أنه في حالة انتهاء مدة المهلة والتي هي العِدَّة أي الثلاثة شهور يتم التسريح بالإحسان بالشروط التالية :
1- قوله تعالى: (وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا «٢٢٩») (البقرة).
أيّ يمتنع الزوج في حالة الطلقة الثانية أن يأخذ أي شيء مما أعطاه لزوجته من نقود وحُليّ وهدايا.
2- قوله تعالى: (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٧) (البقرة).
وقوله تعالى: (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا «٢٣٣») (البقرة).
وهاتان الآيتان تؤكدان شرطًا أساسيًا أنه في الطلقة الثانية الانفصال يتم بالتشاور والتراضي بعد العِدَّة، وهي الفترة الانتقالية بين الطلقة الأولى والطلقة الثانية.
حيث انقضت حكمة الله بالعدل والمساواة فكما تم الاتفاق في بداية عقد النكاح وارتضى كل طرف بمحض إرادته بذلك، وبدأت العلاقة التعاقدية بالاتفاق فيكون الانفصال أيضًا بإرادة الطرفين، وبالتشاور بينهما من أجل إيجاد صيغة لقيام الزوجة بتربية أطفالها ورعايتهم، وأن يتحمل الزوج كل متطلبات الزوجة المتفق عليها مقابل رعايتها للأطفال، ومتطلبات الأطفال ومصاريفهم من صحة وتعليم ومسكن.
وهكذا نرى الفقهاء الأقدمين غابت عنهم حكمة الله ومقاصد آياته، بالحفاظ على الأسرة ووضع كافة القيود والضوابط من التشريع الإلهي حتى لا تنهار الأسرة ويتشرد الأبناء، من أجل كلمة قيلت في ساعة نزغ للشيطان بينهما واختلال لميزان العقل وتوتر مشاعر المودة والرحمة بينهما.
فهل من المنطق بكلمة ( أنتِ طالق) يتم هدم أسرة، ويتشتت أفرادها في الحواري والأزقة؟
إنها جريمة لمن أفتى وكارثة للمجتمع أن يستمر ذلك اللغو بنطق (الطلاق الشفوي).
والله سبحانه يقول:
(لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ «٨٩») (المائدة).
تاسعًا: ولتطبيق ما ذُكر آنفًا، ولكي يتحقق تخفيض نسبة الطلاق في المجتمعات الإسلامية، يتطلب ذلك الأمر ما يلي:
1- اعتماد عقد النكاح المُرفق بهذه المُذكرة ولا يتم الزواج إلا بعد المصادقة على عقد النكاح بحضور الشهود أمام (مكتب رعاية الأسرة).
2- إصدار قانون بإنشاء (مكاتب رعاية الأسرة) في المدن أو المراكز في كل محافظة ليقدم خدماته الجليلة للمواطنين.
3- تتكون هيئة المكتب مما يلي:
أ- مأذون منتدب من وزارة الأوقاف.
ب- مستشار قانوني منتدب من وزارة العدل.
ج- طبيب نفسي أو أخصائي اجتماعي منتدب من وزارة الصحة.
د- تكون تبعيَّة المكتب الإشرافية (لوزارة السكان).
تكون مهمة المكتب ما يلي:
1- التصديق على عقد الزواج المعتمد والمُرفَق بهذه المُذكرة.
2- استدعاء الزوجين في حالة طلب أي منهما الإنفصال، وبحث الأسباب المادية والمعنوية والمذكورة في كتاب الإنذار الموجه من أحدهما للآخر وفْقَ بنود العقد المُرفَق.
3- محاولة الإصلاح بينهما واعطاؤهم مهلة ثلاثين يومًا، للوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين، وإذا اقتنعت هيئة المكتب بالمصادقة على الانفصال فيتصادق على ذلك.
4 – عندئذ يُقر الطرف الأول بالتزامه بالنفقات المقررة في التشريع الإلهي على الزوجة في مدة الرضاعة واستمرار الإنفاق على الأطفال ورعايتهم، كما يجب أنْ تُقرر هيئة المكتب راتبًا شهريًا للزوجة التي تقوم على تربية الأبناء ورعايتهم والوفاء بكل متطلباتهم حتى سن الرشد.
إنَّ (الطلاق الشفوي) يجب أنْ يُعتَبر (لغوّا) لا يترتب عليه الطلاق نهائيًا، فإذا كان الله -سبحانه- وضع تشريعًا فيما يخص ذاته بقوله تعالى: (لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ «٢٢٥») (البقرة).
فكيف يُؤاخَذ الإنسان على (اللغو) الذي يؤدي إلى تفكك الأسرة وتشرُّد الأطفال في الشوارع، وننظر إلى رحمة الله بخلقه حيث وضع عقوبة غير ضارة بالإنسان، حيث يقول الله سبحانه:
(لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ «٨٩») (المائدة).
فهل من المنطق والعقل أنْ يُحكم على الأسرة بالتفكك وتشرد الأطفال وما يحدث من آثار اجتماعية خطيرة، فلماذا لا يتم إعداد قانون تُحدَّد فيه عقوبة (الطلاق الشفوي ، كما قال تعالى : (إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ «٨٩») (المائدة).
ذلك أدعَى أنْ نتَّبع شَرْع الله الرحيم بعباده، ولا نتَّبع فتاوى بشرية لا تعرف الرحمة ولا قيمة الأسرة ولا تستمد فتاويها من التشريع الإلهي في كتابه الكريم، بل تستمدها من روايات لها مآرب لا تتفق مع شَرْع الله في كتابه الكريم.