القرآن… العقد المقدس..الحلقة العشرون من الجزء الثاني من كتاب ومضات علي الطريق للمفكر العربي علي محمد الشرفاء

0

أعزاءنا القراء من جديد نواصل معكم نشر الجزء الثاني من كتاب ومضات علي الطريق، وهو عبارة عن مقترحات لتصويب الخطاب الإسلامي للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، وجاءت الحلقة العشرون بعنوان” القرآن.. العقد المقدس”  تحدث فيها الكاتب عن أن القرآن الكريم هو العقد المُقَدَّس بين الله وبين رسوله وبين المسلمين، ولو طبق العرب المسلمون كافة بنود العقد المُقَدَّس، لاختفى عندهم الظلم وحل العدل، وتحقق الأمن والاستقرار في المجتمعات، ولكن للأسف استطاع اعداؤهم أن يغيبوا عقولهم، فانقلبوا  وهجروا القرآن وانصرفوا عن تشريعاته وعِظَاته وهدايته ، وأحكام آياته ، وهرولوا وراء الروايات المُضَلّلة والإسرائيليات حتى طغت على الآيات وشوهت الصورة الناصعة لرسالة الإسلام، وجعلت غالبية المسلمين يحيدون عن جادة الصواب،. وأدى إلى تراجع المسلمين وفقرهم علميًا وعمليًا ومطالبا  المسلمين بالرجوع إلى القرآن وقراءته وفهمه وتدبره، حتى يخرجوا من الواقع المزري، وحتى يتمكنوا من فهم الحقائق والمبادئ التي ينادي بها الإسلام، وإلي نص ما كتب المؤلف.

القرآن… العقد المقدس

القرآن الكريم هو العقد المُقَدَّس بين الله وبين وبين المسلمين، يؤدّون ما أمر الله به رسوله أن يُبَلِغَهُم به من آيات بينات، وما تتضمنه من أحكام وتشريعات وتوصيات وعظات وأخلاقيات نبيلة، ويستفيدون بما فيه من عِبر الأمم السابقة، كيف سادت، وكيف بادت بأسباب الظلم والإعتداء على الناس، واستباحة حقوقهم واحتلال أراضيهم.

فكثير من الناس يعتقد بأن من قال: أشهد أن لا إله الله وأن محمدًا رسول الله ، دخل الإسلام وأصبح مُسْلِمًا يؤدي شعائر العبادات، من صلوات وصيام وزكاة وحج ، وتصوّر أنها كل التزاماته كَمُسْلِم.

وقد مرت قرون على هذا الفهم الخاطئ، حيث أن الله سبحانه عندما قال:(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا «٧٢») (الأحزاب).

إنّما تعني الأمانة: العقد المُقَدَّس، بكل شروطه، وأعطى الإنسان الحرية في الاختيار بالالتزام بالعقد، أو من عدمه في تنفيذ بنود العقد المُقَدَّس، وهو القرآن الكريم.

تلك البنود التي تؤسس لإقامة مجتمع المدينة الفاضلة، عند تطبيق المنهج الإلهي الذي أنزله الله على رسوله في آيات كريمة ، تَعُمُ السعادة الناس أجمعين، وتَتَنَزَّلُ عليهم رحمات الله وبركاته.

ولذلك أصبح الوفاء بتطبيق المنهج، والالتزام بشروط العقد المُقدَّس قضية في غاية الصعوبة، حيث يضع الإنسان في صراع دائم ومواجهة قاسية مع إغواء الشيطان تساعده النفس الأمارة بالسوء، حيث إذا تمكن من التمسك بشروط العقد، من قيم الفضيلة وفضائل الأخلاق، وتطبيق التشريع الإلهي في الحلال وفي الحرام والتقيد الكامل بكل بنوده سلوكًا ومعاملة، مترجماً المنهج الإلهي في كل تصرفات المُسْلِم. يُقابل ذلك الالتزام الصادق، وعد من الله بأن له السعادة في الدنيا والجنة في الآخرة. وإذا أخَلَّ المُسلم بشروط العقد الإلهي فسيكون عِقَابه أليمًا ، لأن دخوله في الإسلام تمّ بمحض اختياره فحسابه يوم القيامة حساب عسير وعذابه عظيم.

ونظرًا لأن التزام المسلمين بالعقد المُقَدَّس اقتصر على العبادات فقط، فإن ذلك يُعَدُّ إخلالاً خطيراً في التقيد بكامل بنود العقد وشروطه، مما أدى إلى إحداث خلل في العلاقات الإنسانية في المجتمعات العربية، حين دبَّ الصراع بينهم والقتال، وتوحشت النفوس، وتحجّرت القلوب، ومات الضمير، مما أدى إلى تخلف العرب، وهيأ الظروف لاحتلال أوطانهم ونهب ثرواتهم.

واستغلت قوى الشَّرِّ نَشر الإشاعات وخلق الفتن بواسطة الروايات والإسرائيليات وانشغل العرب المسلمون بالحروب بينهم، وساهم عدم الأمن والاستقرار في مجتمعاتهم إلى الانصراف إلى حشد الجيوش بدلا من التعليم والابتكار.

كان يمكن أن تكون الأمة العربية قاطرة الحضارة الإنسانية، وأن ما تقاسيه الأمة العربية من حياة الضنك والشقاء والتقاتل والتخلف في الماضي والحاضر نتيجة منطقية لإخلالهم ببنود العقد المقدس الذي احتوته آيات القرآن الكريم.

وقد وضع الله لهم قاعدة واضحة تحدّد لهم خارطة الطريق في قوله سبحانه: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ «١٢٣» وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ «١٢٤» قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا «١٢٥» قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ «١٢٦») (طه:١٢٣- ١٢٦).

 عدل في الحُكم وأمانة في الوعد وتحذير للمسلم في حالة إخلاله بشروط العقد الذي إن التزم به وطبقه بالكامل سيقابله روح وريحان وجنات النعيم، يقول لهم ربهم:(ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ «٤٦») (ق).

ولو طبق العرب المسلمون كافة بنود العقد المُقَدَّس، لاختفى عندهم الظلم وحل العدل، وتعاونوا فيما بينهم، وحُفِظَت الأمانات، وتوحدوا خلف رسول الله، والكتاب الذي أنزله الله عليه ليبلغه للناس، وتحقق الأمن والاستقرار في المجتمعات، وعاش الناس في أمن وسلام وأسسوا المدينة الفاضلة.

حينها لن تكون هناك حاجة لشرطة ولا محاكم، واختفى الفقر والتسول، وانتشر التعاطف بين الناس، وتباروا في الإحسان، وتنافسوا على فعل الخيرات.

ولكن للأسف استطاع اعداؤهم أن يغيبوا عقولهم، واختزلوا رسالة الإسلام في العبادات فخسروا قيم الفضيلة وكرَمَ الأخلاق التي يَدعُو لها القرآن، كما عصوا أمر الله في طلب العلم والقراءة لتكون أساس نهضة الأمم.

ومن أجل تعويض ما فقدناه في الماضي وما حول التراث من سموم استحكمت في عقول المسلمين وجعلتهم أشباه بشر، اتسموا بالوحشية وحُب الدماء وقتل الأبرياء، حتى أصبحوا يهددون الأمم الأخرى التي أصبحت تخشى من كلمة «مُسْلِم» التي تتجلى في التسمية السلام والرحمة. فماذا يمكن أن يُطلق على الذين ينشرون خطاب الكراهية، ويشجعون على قتل الناس؟

إنَّ أقل شيء يمكن أن يوصفوا به، هو أنهم بَشَر فقدوا إنسانيتهم وعصوا ربهم واتبعوا طريق الشيطان.

عندما مات الضمير واختل ميزان العبادة، تخلف العرب، ودبَّ الصراع، وتوحشت النفوس الخربة، واحتلت الأوطان ، ونُهبت الثروات، واستوحش أهلُ الشر، فأيقظوا الفتن وروّجوا لروايات الشيطان.

ينبغي محاربة التطرف ونبذ الغلو والفتن والقتال والتناحر وسفك الدماء الذي يرتكب باسم الإسلام، وهو دين التسامح والرحمة وحفظ حق الجار، والرأفة بالفقير واليتيم، ورعاية الأرامل، ونشر السلام بين الناس، وإقامة العدل واحترام حرية الأفراد والتراحم فيما بين البشر جميعًا، وعدم الاعتداء وتحريم قتل النفس وتأدية الأمانات إلى أهلها، والتعامل بالإحسان والتسامح والتعاون لمنفعة أفراد المجتمع، والرفق بالحيوان، والمحافظة على كل النعم التي منحها الله للإنسان بتنميتها وتوظيفها لصالح الإنسان .

هذه خصال استأثر بها الإسلام دين السلام، ولكن الانقلاب على الكتاب وهجر القرآن والانصراف عن تشريعاته وعِظَاته وهدايته ، وأحكام آياته في تحقيق العدل والرفاهية للإنسان، والهرولة وراء الروايات المُضَلّلة والإسرائيليات التي نفثت سمومها في عقول ناقلي الروايات حتى طغت على الآيات وشوهت الصورة الناصعة لرسالة الإسلام، وجعلت غالبية المسلمين يحيدون عن جادة الصواب، ويتبعون مرجعيات بشرية تستهدف الإساءة إلى الله ورسوله، مما أدى إلى أن يتجنب الناس الرغبة في الدخول في دين السلام، ويبتعدوا كل البعد عن الانتساب لرسالة الإسلام. فقد أشاعوا الفتن ورفعوا رايات الجهاد المرادفة للقتل، وفسروا الجهاد في غير معناه الحقيقي.

إن القواعد التي وضعها الله تعالى للحرب والدفاع عن الأهل والمال والعرض والأرض، قواعد واضحة جلية؛ فقد حرم الله قتل النفس: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ «١٥١») (الأنعام).

ولهذا فإن الله سبحانه لا يريد لعباده القتل بسبب العقيدة والعبادة، فهو سبحانه القاضي وحده على الناس، والتشريع الإلهي ليس موجها لقوم غير قوم أو لأصحاب ديانة دون أخرى، إنما هو عام للناس جميعًا. والله تعالى منح الحرية المطلقة للناس في اختيار العقيدة التي يتعبدون بها دون إكراه أو فرض.

وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا «٢٩») (النساء).

وقال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ «٣٢») ( المائدة).

كما رسم تعالى حدودًا واضحة للتعامل مع الأسرى حين قال : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ «١٩٠») (البقرة). وهي الآية التي تعتبر المرجع الوحيد لكل حالات القتال. فقد حدد الله مصير الأسرى والتعامل معهم في الآية: (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً «٤») (محمد).

وبهذه الروح العالية والتعامل الراقي، ينظم الإسلام طريقة القتال في سبيل الله لصد الهجمات، والدفاع عن الأرض والعَرْض والمال والأهل والتعامل مع الأسرى بكل احترام وتقدير يصون الكرامة ويحفظ ماء الوجه.

ومن هنا، فإننا لا نرجع إلى القرآن في تعاملنا مع هذا الدين وهذه الرسالة وأننا نختزل الإسلام في الفرائض من شهادة وصلاة وصوم ودفع زكاة وحج دون أن نفكر في مآل وأغراض الشريعة من ذلك، فكل شعيرة بنيت لتجاوز أمراض في النفس والقلب ومغالبة الهوى والسعي إلى مرحلة التهذيب والتطهير من الأدران، حتى تصبح النفس مؤمنة بربها حق الإيمان، ساعية إلى مرضاته بالعبادات التي خلقنا من أجلها ؛ وبذلك تتحقق سعادة العبد الغامرة في الدنيا والآخرة.

ولكن الخطاب الديني الذي يقف بالمسلم عند عتبة الروايات لا يتجاوزها إلى القرآن والتعامل معه فكريًا وفهمه فهما صحيحًا هو الذي أدى إلى تراجع المسلمين وفقرهم علميًا وعمليًا.

فعلى المسلمين الرجوع إلى القرآن وقراءته وفهمه وتدبره، حتى يخرجوا من الواقع المزري، وحتى يتمكنوا من فهم الحقائق والمبادئ التي ينادي بها الإسلام، كالصدق والإخلاص والعمل والوفاء والتفاني في تحصيل العلم وتوظيف الوقت وكسب المعارف ومغالبة الهوى والنفس الأمارة بالسوء والإيثار ومساعدة الضعفاء ، واحترام الآخر، والسعي من أجل التعايش السلمي، وهي لعمري أمور إن فهمها المسلمون حق الفهم فسيتمكنون من تغيير واقعهم ليحتلوا مكانتهم الرائدة بين الركب الأممي.

Leave A Reply

Your email address will not be published.