آيات القتال في الإسلام..الحلقة السابعة عشرة من الجزء الثاني من كتاب ومضات علي الطريق للمفكر العربي علي محمد الشرفاء
أعزاءنا القراء من جديد نواصل معكم نشر الجزء الثاني من كتاب ومضات علي الطريق، وهو عبارة عن مقترحات لتصويب الخطاب الإسلامي للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، وجاءت الحلقة السابعة عشرة بعنوان” آيات القتال في الإسلام” تحدث فيه المولف عن أن الله سبحانه وتعالي وضع تشريعًا وقاعدة تحدّد متى يكون القتال ، وهذا التشريع ليس موجهًا لقوم غير قوم أو لأصحاب ديانة دون أخرى، إنّما هو تشريع إلهي عام للناس جميعًا.
موضحا أن علماء الإرهاب اتخذوا الفهم الخاطئ مسوغًا لهم، يعتمد عليه الإرهابيون لقتل الأبرياء في المجتمعات الآمنة، ونشر الفزع والخوف، وأسر الآمنين وتعذيبهم، واستباحة أموالهم وأراضيهم، مخالفين أوامر الله بعدم الاعتداء على الناس ونشر الذعر لديهم، وإلي نص ما كتب المؤلف.
آيات القتال في الإسلام
إنَّ الخطاب الإلهي شَمَلَ تشريعاتٍ عِدّةٍ، ومنها تشريع فيما يتعلق بالقتال في سبيل الله. فقد وضع الله تشريعا وقاعدة تحدّد متى يكون القتال بقوله سُبحانه وتعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ «١٩٠») (البقرة). وهو الحقُّ المشروع لكل الناس للدفاع عن النفس والممتلكات وعن الأسرة، وعن التعدي على حقوق الناس بكل السبل والوسائل التي تردّ الاعتداء أو تعيد الحقوق لأصحابها. وهذا التشريع ليس موجهًا لقوم غير قوم أو لأصحاب ديانة دون أخرى، إنّما هو تشريع إلهي عام للناس جميعًا.
وقد وضع الله سبحانه قاعدة مبنية على العدل حكمًا عامًا لا يتغير بتغير الأزمنة والعصور، حيث يقول سبحانه وتعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ «١٩٠») (البقرة).
فأينما يأتي ذكر القتال في سبيل الله أو ذكر الجهاد في سبيل الله، إنما تخضع تلك الأوامر الإلهية للحكم العام المشار إليه أعلاه في الآية الكريمة، وهو حق مكفول لكل الناس بالدفاع عن أنفسهم وحقوقهم وأموالهم وأراضيهم، ومُحَرَّم عليهم العدوان بكل أشكاله. تلك الآية الكريمة حدّدت بكل وضوح مُقاتلة المعتدين، والّذينَ جَاءوا للقتال أو الإعتداء على أناس مُسالمين.
ولذا فإنّ كلّ آيات القتال التي جاءت في القرآن الكريم، وآيات الجهاد التي تَحُثُ على القتال، وفق التشريع الإلهي الذي تضمنته الآية المذكورة أعلاه. وما عدا ذلك من آيات متعددة ذُكِرَ فيها القتال، توضح أنواع القتال وطرق الإستعداد للدفاع، وكيفية القتال في مواجهة المعتدين، كما أنها تعليمات إلهية تنظم طرقَ القتال، وكلّها تندرج تحتَ حُكم القاعدة الأساسيّة في الآية المذكورة أعلاه.
وفي حالاتٍ محدّدةٍ تكون مقاتلة المعتدين كما يلي:
أولاً: في حالة نقض عهود السلام بين الطرفين واستعداد أحدهما للهجوم المباغت على الطرف المزمع الاعتداء عليه، ويكون بذلك دفاع إستباقي لمنع المُعتدي من تحقيق أهدافه وصد عدوانه، بعد التأكد من نوايا العدوان وحجم استعداداته ومعرفة أهدافه والترصد له في كل المواقع لمنعه من تحقيق أهدافه العدوانية.
ثانياً: في حالة الإعتداء المباشر على الآمنين في القرى والمدن، ومواجهة العدوان بكل القدرات المتاحة وكل الوسائل الممكنة.
ثالثاً: في حالة التجهيز والإعداد لتدريب الجيوش وتسليحها لصد الهجمات من قِبَل الأعداء الذين جاءوا للقتال والعدوان.
رابعاً: الإعتداء والغاراتُ المستمرة على الآمنيين واستباحة أراضيهم ونَهْبِ ثَرَواتِهم وسبْى نِسائهم واستباحة حرماتهم.
وكلُّ تلكَ تلك الحالاتِ المذكورة تتفقُ تَماماً مع الآية المذكورة أعلاه، وبالرّغم من ذلك وضَعَ الله سُبحانهُ وتعالى قاعِدةً أخرى رحمةً بكل الناس ولحقن الدماء في تقليل الخسائر وتضميدِ الجراح بَقُولهِ تَعَالَى:
(وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ «٦١») (الأنفال).
وذلك ممّا يؤكّد مراد الله في الآياتِ المذكورة أعلاه، بشأن الدفاع عَنِ النَّفْسِ وعدم الاعتداء على الغيرِ وتُؤسّس لِتِلكَ القاعدة الآيات التالية: قولُهُ تَعَالَى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا «٣٣») (الإسراء).
قولُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا «٢٩») (النساء).
وقوله تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ «٣٢») (المائدة).
لقد فات السابقين، وفق قدراتهم المعرفية التدقيق والتمحيص في مرادِ اللهِ فلم يُفّرقوا في تشريع الله ومراده بأنّه سُبحانَهُ وضَعَ قواعد تشريعيةً تحكمُ تصرفات المسلمين على أسس من العدالة والرحمة وتقليل الخسائر في الأرواح، وعندما عجزوا عن استجلاء تلك المقاصد واعتبروا آيات القتال دعوة للقتال وأنها نسختِ القاعدة الرئيسية التي وضعت في حقّ الدفاع عن النفس والتي جاءت في قولهِ تَعَالَى:
(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ «١٩٠») (البقرة).
وعندما يَصْعُب على السابقين فهم النصوص ومراد الآيات، يدفعهم عجزهم إلى إيجاد مبررات تفترى على كتاب الله كذبا وزورا بإطلاق مصطلح (المنسوخ) على الآيات. ولا توجد في القرآن الكريم أي آية منسوخة على الإطلاق، إنما ذلك سبب لقصور الفهم وعدم التوفيق في فهم الآيات ومقاصدها السامية لمنفعة الناس، وقد وصفهم الله سبحانه بقوله: (قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ «٦٩») (يونس).
لقد وظف علماء الإرهاب الفهم الخاطئ مسوعًا لهم، يعتمد عليه الإرهابيون لقتل الأبرياء في المجتمعات الآمنة، ونشر الفزع والخوف، وأسر الآمنين وتعذيبهم ، وإستباحة أموالهم وأراضيهم، مخالفين أوامر الله بعدم الاعتداء على الناس ونشر الذعر لديهم، حيث وصفهم الله سبحانه بقوله:
(إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ «٣٣») (المائدة).
ذلك عقاب لمن يعصي الله ، لأنه سبحانه يريدهم أن يلتزموا بأوامره التي تدعوهم للرحمة والعدل والسلام، وأن تكون الدعوة لرسالة الإسلام كما أمر الله سبحانه رسوله في قوله:
(ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ «١٢٥») (النحل).
فقد مَنَح الله الإنسان حريته فيما يعتقد ، ويختار ما يراه من دين متى يشاء ومتى يريد، حيث يقول سبحانه: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ «٢٩») (الكهف).
وقوله سبحانه مخاطبًا رسوله: (أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ «٩٩») (يونس).
تلك القواعد التي سنها الله للدعوة والوعظ للدخول في دين الإسلام لما يحقق سعادة الناس ومنفعتهم، وأمر رسله وأنبياءه الالتزام بها في دعوة الناس للإسلام بالحكمة والكلمة الطيبة والموعظة الحسنة التي تُرَغِب الناس في دخول الإسلام، وليست الكلمة والفعل الذي ينفّر الناس من الإسلام.