اليمن.. الوحدة بين الثوابت والمتغيرات.. الحلقة الثامنة عشرة من كتاب “ومضات علي الطريق العربي ” للمفكر العربي علي محمد الشرفاء
في الحلقة الثامنة عشرة من كتاب “ومضات علي الطريق العربي ” للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، وهو عبارة عن دراسات ومشاريع وحلول لواقع المستقبل العربي في القرن الواحد والعشرين يتحدث المؤلف عن الوحدة اليمنية ومصير وأسباب فشل مشاريع الوحدة في الوطن العربي، وأفكاره وتصوره للأمر، وكيف أنه كمواطن عربي يرغب في قيام الوحدة بين جميع الأقطار العربية، دون سيادة لدولة على أخرى، بل يطالب راغبي الوحدة بالانتباه إلي الأمور التي قد تفشل مشاريع الوحدة المستقبلية والعمل علي تلافيها وتعزيز الإيجابيات وتجنب وتخطي السلبيات، وكيف تشكلت الجمهورية العربية اليمنية من قطرین متقاربين جغرافيا ومجتمعين ينتميان إلى أصول واحدة؛ لذا اقتضت إرادتهما تحقيق أمنيات الشعب اليمني في خلق كيان واحد، بعد سنين طويلة من الفرقة، وكيف تم خلق الجمهورية اليمنية، وإلي نص ما كتب المؤلف.
الفصل الثالث
اليمن الوحدة بين الثوابت والمتغيرات
من المعلوم أن نمو العلاقات الإنسانية بين أية أطراف معنية بتحقيق علاقات جديدة، سواء كان ذلك على مستوى الأفراد، أو على مستوى الشركات والمؤسسات أو بين الدولي، يعتمد نجاحها على أساس لا يتغير بتغير ظروف الزمان والمكان، ألا وهو كيفية تحقيق الحد الأدنى من التكافؤ بين الأطراف بدون أن يترتب على العلاقة الجديدة أي تجاوز من طرف على طرف آخر؛ سواء كان ذلك التجاوز معنويا أو ماديا.
لذلك نجد أن الكثير من التجارب التي لم تأخذ في الاعتبار هذه الحقيقة، أخفقت في الاستمرار نظرا لطغيان مصلحة طرف على طرف آخر، فحدثت نتيجة لذلك تجاوزات عدها الطرف الأقوى عدة، وعددا، و حجما، ومساحة حقا من حقوقه، في حين عدها الطرف الآخر أنه الضعيف في المعادلة، وأن تلك الممارسات ما هي إلا بداية لابتلاعه، وضياع مصلحته، ومصلحة من يمثلهم الذين يشكلون قوة ضاغطة عليه، فيحدث الشك والريبة، وتبدأ مواقف التناقض تأخذ أشكالا مختلفة في التعبير عن عدم الرضا من أجل وقف التداعيات لحماية مصالحها.
لتلك الأسباب، فإن أية محاولة وحدوية بين أي طرفين تجمعهما وحدة الجذور، والتاريخ، والاهتمام المشترك، قد تفشل، لأن تلك العناصر النبيلة والشعارات الوطنية، سرعان ما تتساقط واحدة تلو الأخرى، ذلك عندما يشعر أحد الطرفين بأن الآخر بدأ يتخذ مواقف، وممارسات يشتم منها رائحة الغدر والانقضاض عليه.
إن التجارب الوحدوية في الوطن العربي كثيرة؛ لكن لم يتحقق لها النجاح كما يجب أن يكون؛ لذا، فلابد لنا أن نبحث عن مخرج يتحقق به إيجاد حلول عملية تحقق الحد الأدنى من التكافؤ والوصول إلى صيغة توفيقية تكون تجربة جديدة في عالمنا العربي، ومتى ما توفرت لها سبل النجاح فقد تعيد للشعب العربي الأمل في وحدة أمته ، وكما نعلم جميعا بأن الوحدة وسيلة تهدف إلى تحقيق انسجام بين مجتمعين، وإرادتين قرر كل منهما بأنه يكمل الطرف الآخر لبناء مجتمع قوي، وقادر على تحقيق الرفاهية، والأمن والاستقرار للدولة المتحدة الجديدة.
إن أية محاولة جدية للسير نحو تحقيق الوحدة لابد لها من توفر الوعي الكامل بين الشركاء، وقدرتهم على تحمل المسئولية؛ بالقدر الذي يصبح كل طرف مدافعا عن حقوق الطرف الثاني، ومحافظا عليه محافظته على استمرار ونجاح الوحدة.
وحيث إننا الآن بصدد البحث عن صيغة توفيقية، تبرز للشعب اليمني الشقيق مقدرته على استيعاب المتغيرات بدون المساس بالثوابت في المبادئ وتؤكد لأمتنا العربية بقاء واستمرارية الجمهورية العربية اليمنية بخلفيتها التاريخية العظيمة، وبما يتمتع به رجالها من شهامة، وشرف، واقتدار في مواجهة الخطوب؛ فإننا نرى أن أي اقتراح يدعو إلى تطوير بعض القضايا الإجرائية داخل تنظيم الدولة لا يعني أنه سيؤثر على الإطار العام للوحدة، ولا ينتقص من سيادتها، إنما هو مطلوب بالضرورة لتعديل وتطوير بعض الأدوار، وتوزيعها على مختلف المستويات بما يتناسب مع ظروف المجتمع؛ في حالة إذا كان الجميع يسعی مخلصا للمحافظة على الرابطة المقدسة التي تحقق للشعب اليمني استقراره، وأمنه، وسلامته، ومنع أية تداعيات من شأنها أن تتحول إلى معول يهدم الصرح الوحدة، ويهدد سلامة الشعب، ومكتسباته، ومستقبله.
فلا يجوز أن تكون حركة تطوير الدولة، وأنظمتها، وقوانينها ذات مفاهيم ضعيفة، وبذلك يكون المجتمع أسيرا لبعض المصطلحات ؛ بلا مراعاة للمصلحة العليا للشعب اليمني التي يهون في سبيلها كل شيء. كما لا يجوز حرمان المجتمع، ومفكريه، ومثقفيه من تقديم الحلول لمشكلاته من أجل الاستقرار والرفاهية، أو أن تحد حركته في سبيل الوصول إلى تحقيق أهدافه السامية.
ونظرا لطبيعة الظروف الخاصة التي يتميز بها الشعب اليمني الشقيق، فإن ذلك يتطلب إعداد تصور أمين ومخلص ومتجرد؛ يخدم المصلحة العليا واضعين في الحسبان حركة التطور في المفاهيم والأساليب بين مجتمعين لدى كل منهما قناعات لها خصوصياتها، ومنطلقاتها قبل الوحدة ؛ فالمطلوب إذن إيجاد صيغة تحافظ على الكيان الوحدوي، وتنميته بإعطائه مساحة أكبر في الحركة والتطور، واستعداد كل الأطراف للاستماع بوعي وإدراك لكل طروحات الطرف الثاني. وذلك من أجل خلق المناخ الملائم لوحدة البلدين الشقيقين؛ بدون خوف أو وجل، وفي جو من الأمان والوئام والمودة.
وإنه يسعدني أن أسهم بهذه الأفكار المتواضعة؛ يشفع لي فيها إخلاصي لقضايا أمتي العربية، وهي كما يأتي:
أولًا: الوضع السيادي للدولة
تستمر الدولة بكل هيئاتها التنفيذية، والتشريعية في مباشرة مسئولياتها كاملة في الأمور الآتية:
١. حماية أمن الدولة من كل ما يهددها من الخارج والداخل.
۲. رسم السياسة الخارجية، وتنفيذ الاتفاقيات الدولية، وتطوير العلاقات السياسية؛ بما يحقق مصلحة الشعب اليمني؛ ويساعد على استقراره وأمنه.
٣. سن القوانين اللازمة لمختلف المجالات في الدولة، والإشراف على تنفيذها من خلال السلطات التنفيذية، والتشريعية والقضائية.
ثانيًا: الأمور الإجرائية للتنظيم الداخلي للجمهورية
تشكلت الجمهورية العربية اليمنية من قطرین متقاربين جغرافيا ومجتمعين ينتميان إلى أصول واحدة؛ لذا اقتضت إرادتهما تحقيق أمنيات الشعب اليمني في خلق كيان واحد، بعد سنين طويلة من الفرقة، وتمثل الطرفين في هذا الكيان الوحدوي- منظمتان سیاسیتان؛ هما:
١. حزب المؤتمر العام؛ وهو يمثل القطر الشمالي بكل فئاته الحزبية والقضائية.
٢. الحزب الاشتراكي وهو يمثل القطر الجنوبي بكل فئاته الحزبية والقضائية.
ولقد اقتضت مصلحة الأطراف التي وضعت كل إمكاناتها لقيام الدولة الموحدة، توزيع الأدوار الرئيسية في قيادة الجمهورية نحو تحقيق آمالها المنشودة كما يأتي:
أ. حزب المؤتمر يستلم المسئوليات الآتية:
١. رئاسة الدولة.
٢. نيابة رئاسية مجلس الوزراء.
٣. وزارة الخارجية.
٤. وزارة الداخلية.
٥. وزارة المالية.
ب. الحزب الاشتراكي يستلم المسئوليات الآتية :
١. نيابة رئاسة الدولة.
۲. نيابة رئاسة مجلس الوزراء.
٣. وزارة البترول.
٤. وزارة الدفاع.
٥. وزارة الإعلام.
على أن يتم توزيع الحقائب بالاتفاق مع الأحزاب الأخرى، وعلى حسب قوة كل حزب، وعدد أعضائه.
ثالثًا تشكيل مجلس الأمن القومي
المادة الأولى
ينشأ في الجمهورية العربية اليمنية مجلس يسمى مجلس الأمن القومي.
المادة الثانية
أ. يختص المجلس برسم السياسية المتعلقة بتأمين سلامة الدولة، واستقرارها، وتحقيق أمنها، وإعلان الحرب الدفاعية.
ب. المصادقة على القوانين الكفيلة بدعم أنظمة الأمن، وتحقيق التنسيق بين الأجهزة الأمنية المختلفة.
ت. اعتماد الأسس العلمية السليمة للارتقاء بأداء القوات المسلحة، والبدء في الإشراف على النظم، والإجراءات الكفيلة بتوحيد القوات المسلحة، والتنسيق بين مختلف القطاعات العسكرية؛ كي تستطيع تأدية الواجب الوطني في الدفاع عن سلامته.
ث. الإشراف على تنفيذ القوانين واللوائح الصادرة من وزارة الداخلية والمتعلقة بالنواحي الأمنية، والتأكد من تنفيذها على الوجه المطلوب.
المادة الثالثة
يتشكل مجلس الأمن القومي برئاسة رئيس الجمهورية، وعضوية كل من:
١. نائب رئيس الجمهورية.
۲. رئيس مجلس الوزراء.
۳. نائب رئيس مجلس الوزراء.
٤. وزير الخارجية.
٥. وزير الدفاع.
٦.وزير المالية.
٧. وزير الداخلية.
٨. وزير الإعلام.
٩. رئيس الأركان.
المادة الرابعة
تتولى وزارة الدفاع الأمانة العامة للمجلس، والإشراف على إعداد جداول اجتماعاته، وموافاة أعضاء المجلس بتقارير يومية عن كل ما يتعلق بالأوضاع الأمنية في الدولة، وكل ما له صلة بها، كما تتولى عرض القرارات على رئيس الجمهورية للمصادقة عليها، ومتابعة تنفيذها من الجهات المختصة.
المادة الخامسة
على جميع الوزارات والهيئات الحكومية أن تقدم إلى الأمانة العامة للمجلس ما تطلبه من معلومات، وأبحاث، وتقارير، وبيانات. وللمجلس أن يدعو إلى جلساته من پری دعوتهم من المستشارين، والخبراء العسكريين، وغيرهم ؛ للاستماع إلى وجهة نظرهم على أن يكون لهم رأي محدود في المداولات.
المادة السادسة
ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية، ويعمل به من تاريخ صدوره.
رابعًا: موارد الدولة
١. تتحقق موارد الدولة من تخصيص ما قيمته (۷۵٪) خمسة وسبعون في المائة من الدخل العام في القطر الشمالي والقطر الجنوبي، وتحول مباشرة إلى البنك المركزي، الذي يقوم بدوره بإعداد خطة مالية لتوفير ما تحتاجه الدولة من اعتمادات مالية لمواجهة متطلبات التنمية.
۲. يتم تخصيص ( ۲۵ ٪) من دخل كل قطر لبرنامج الحكم المحلي، حيث يتم تخصيص تلك الوفورات المالية في كل قطاع لمواجهة الأمور الطارئة؛ وهو الأمر الذي يحقق نوعا من المرونة، وتخفيف الروتين المواجهة المشكلات الطارئة؛ بدون الانتظار طويلا لاعتمادات مالية تتطلب إجراءات طويلة؛ قد يكون لها مضاعفات سلبية في مواجهة ما يطرأ في حينه.
خامسًا: الحكم المحلي
بنظام الديوان المحلي للخدمات العامة
المادة الأولى
ينشأ في كل محافظة ديوان للحكم المحلي، يضم فروعا للوزارات الآتي بيانها كما يأتي:
الصحة/ الأشغال والسكان/ الزراعة/ الماء والكهرباء/ الإعلام/ المواصلات/ الشئون الاجتماعية وشئون القبائل/ العدل /الشئون الإسلامية والأوقاف/ الهجرة والجنسية؛ و يكون المحافظ هو الرئيس الأعلى للديوان.
المادة الثانية
١. يتولى الديوان الإشراف على كافة القوانين، واللوائح، والتعليمات الصادرة عن الوزارات الممثلة في الديوان، حيث تقوم الإدارات التابعة لها بتنفيذ الخطط، والمشاريع المحددة لها في الخطة.
۲. يتولى رئيس الديوان تحقيق التنسيق بين الإدارات، وتذليل كافة العقبات التي تواجهها في سبيل أداء واجباتها.
المادة الثالثة
يشكل الديوان المحلي بكل محافظة مجلسا للخدمات برئاسة رئيس الديوان، وعضوية مديري الإدارات، وينعقد كل 15 يوما بدعوة من رئيسه لمتابعة مستوى تنفيذ الإدارات في المحافظة .
المادة الرابعة
يتولى المجلس دراسة احتياجات المحافظة في مجال الخدمات والمشروعات؛ لإعداد الميزانية السنوية في الموعد المحدد، حيث تتولى كل إدارة إرسال مقترحاتها للوزارة التابعة لها بعد اعتمادها من رئيس الديوان، لتحدد كل وزارة في ميزانيتها ما يخص كل محافظة من الخدمات والمشروعات.
المادة الخامسة
ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية، وعلى الوزراء كل فيما يخصه تنفيذه من تاريخ صدوره.
سادسًا: إنشاء ديوان المحاسبة
تكون مهمته الرقابة على الصرف من بنود الميزانية المعتمدة، ورفع تقرير أسبوعي لمجلس الوزراء عن سير العمل المحاسبي، وأية توصيات ضرورية يراها لتحسين الأداء، والمحافظة على تنظيم الصرف بدون إسراف، أو إهدار للمال العام.
سابعًا: السلطة التشريعية
١. يتم انتخاب المجلس التشريعي على أساس الدوائر الانتخابية في كل محافظة، ويحدد قانون الانتخابات نظام الانتخاب، و عدد الدوائر حسبا عدد السكان في كل محافظة.
٢. للمجلس التشريعي مناقشة، وإقرار القوانين المحالة إليه من الوزارات، ومناقشة الوزراء والمختصين، كما يصادق على المعاهدات الدولية سواء كانت سياسية، أو اقتصادية، أو عسكرية، ويعتمد على الميزانية العامة للدولة بعد مناقشتها وإقرارها.
۳. يعد الوزراء أعضاء في الهيئة التشريعية بحكم مناصبهم.
ثامنا: السلطة القضائية العليا
يكون للدولة محكمة عليا، ومحاكم استثنائية ينظمها القانون؛ كما يكون في كل محافظة محاکم ابتدائية واستئنافية؛ على أن تكون اختصاصات المحكمة العليا کما پاتی:
١. الرقابة على دستورية القوانين والمراسيم واللوائح.
۲. تفسير أحكام الدستور
٣. مساءلة الوزراء، وكبار موظفي الدولة المدنيين المعنيين مما يقع من مخالفات في أداء وظائفهم الرئيسية.
٤. الجرائم التي تمس مباشرة المصالح العليا للدولة.
٥. تنازع الاختصاص بين الوزارات، والهيئات الرسمية.