الإمارات ومضة من نور.. الحلقة الرابعة عشرة من كتاب “ومضات على الطريق العربي” للمفكر العربي علي محمد الشرفاء
في الحلقة الرابعة عشرة من كتاب “ومضات علي الطريق العربي ” للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، وهو عبارة عن دراسات ومشاريع وحلول لواقع المستقبل العربي في القرن الواحد والعشرين يتحدث المؤلف عن باقة من الموضوعات عن بلدان عربية بعينها، جمعها في باب واحد، تحت فصول متعددة، فيها ما يفيد كافة الأقطار العربية. بدأه بالحديث عن الدولة الأم الإمارات كونه كان شاهدا ومعاصرا للأحداث فيها وإلى نص ما كتب المؤلف
الفصل الأول
الإمارات ومضة من نور
تستمر مسيرة الخير بعد أن وضع مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، وباني نهضتها منهاجا للتطور، ورؤية تجاوزت حدود الإقليم، وانطلاقا نحو مواكبة الدول التي سبقتنا بعشرات السنين، وبعزيمة لا تعرف المستحيل، إيمانا منه بالله، واستعانة به في تحقيق رؤية كادت أن تكون مجرد حلم ليس لها في الواقع أي عنصر من مقومات تحقيقها أو نجاحها. لكن للقيادة دور تاريخي، و مسئولية عظيمة تأخذ بيد الشعوب نحو طريق التقدم، ومسيرة التطور، وترفع من شأنها لتلحق بركب الأمم، وتسهم معها في بناء حضارة الإنسان، وصياغة مستقبله.
لقد شاءت العناية الإلهية أن تسند دور القيادة في هذه الدولة إلى رجل عشق الصحراء وصفاءها، وأحب ضوء الشمس الساطع، فأكسبه ذلك وضوح رؤية ومضاء عزم. ذلك هو صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله – تعالى- وأسكنه فسيح جناته.
لقد حدد -رحمه الله – ثلاثة أهداف، تطوي بها المنطقة مرحله؛ لتنطلق إلى آفاق المستقبل الرحية، وهي:
– تطوير المنطقة.
– تحقيق الرفاهية للمواطن.
– بناء الإنسان القادر على تحمل المسئولية.
وانطلاقا من هذه الفلسفة كانت مواقفه الإنسانية تأكيدا لرؤية أساسية، هي أن الإنسان أعظم استثمار لأية دولة تتطلع إلى الازدهار والتقدم. وبناء على ذلك، فقد تركزت اهتماماته على تشييد دولة قوية؛ يعيش فيها المواطن مطمئنا تتحقق له فيها الرفاهية دولة ذات سيادة بارزة المعالم تمد يدها للجميع من أجل التعاون البناء على أسس من الاحترام المتبادل، بدون أدنی مساس بسيادتها الوطنية، وتبذل كافة الطاقات في دعم العالم العربي، وتأكيد وحدته إيمانا منها بأن قوة العرب تكمن في وحدتهم، كما تناصر حقوق الإنسان في أي مكان في العالم، وتأييد حرية الشعوب.
انطلاقا من هذه الفلسفة؛ فقد استطاع -رحمه الله- أن يقيم علاقات متوازنة مع جميع الدول الشقيقة والصديقة، في عالم يحكمه الصراع وتتجاذبه العقائد المتناقضة، وبذلك حفظ البلاد من مخاطر الأهواء والصراعات الدولية، ووصل بها إلى بر الأمان والسلام، والاستقرار، والازدهار.
كان إيمانه بالشريعة الإسلامية، وملاءمتها لكل زمان ومكان، يأخذ حيزا كبيرا من فكره وجهده ؛ فكان يعمل جادا من أجل أن تأخذ الشريعة الإسلامية مكانتها -بوصفها تراث هذه الأمة العظيمة- قانونا وسلوكا عاما، حقوقا وواجبات، انطلاقا من عقيدة راسخة بأن قانون السماء هو سيد القوانين جميعا، وكلمة الله – تعالى – هي الكلمة العليا.
أثناء قراءتي لكتاب (رؤیتی) لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشید المكتوم نائب رئيس الدولة، ورئيس مجلس الوزراء، وحاكم إمارة دبي شعر بالتجانس، والتكامل في فلسفة الحكم والقيادة، وأنا أعيد قراءة كتاب ( القيادة) الذي تم طبعه في سنة 1981، وتم فيه جمع أقوال مؤسس هذه الدولة، فوجدت تطابقا في الأفكار، وتكاملا في الرؤى، وتجانا في الأقوال، وكأني أمام فصل يستكمل ما قيله في ملحمة قيام دولة الإمارات العربية المتحدة.
ورأيتني أعود بالذاكرة إلى أعوام مضت، أعني يوم كان هناك عيد ليس ككل الأعياد، فقد كان يوم 2 ديسمبر 1971 في قصر الجميرا، وقد ارتسمت على الجميع البشري والأمل؛ حيث كان أصحاب السمو حكام الإمارات أعضاء المجلس الأعلى يحتضنون علم الاتحاد، و كأنني بهم يومذاك يعاهدون الله، ويعاهدون شعب الإمارات، ولسان حالهم يقول: لقد عقدنا العزم بعون الله، و بكل الإخلاص والأمل، أن نحافظ على ما عاهدناه عليه لاستكمال بناء دولة راسخة البنيان عزيزة حرة ترتقي بشعبها نحو الحياة الكريمة، وقد حمل زاید لواء القيادة. فكان التفاني، وكان الإخلاص، وكان العزم الذي لا يعرف المستحيل، والجهد الذي لا يعرف الكلل.
لقد تشرفت بالعمل تحت قيادته الفذة منذ سنة 1971، ون قريبا منه بصفتي مديرا لديوانه، فرأيته يقضي أيامه ولياليه في وضع خطط لتنفيذ رؤيته سواء كانت على المستوى المحلي، أو العربي، أو الدولي، وكان شاغله الأكبر هو؛ كيف يستطيع أن يعوض شعبه سئین العوز والفاقة، ويرفع مستواه، ويحقق له حياة كريمة تؤمن له مصدرا ماليا دائما، يمكنه من إعالة ورعاية أسرته ؟ فالأسرة شأن عظيم عنده – رحمه الله- حيث يرى أنها المصدر الأساسي للبناء، وفي محيطها يتكاثر الشعب، وبالشعب تتم المحافظة على الوطن وثرواته.
إنه لمن حسن الطالع أن تتلافي رؤية المؤسس الراحل لهذه الدولة مع رؤية نائب رئيس الدولة الحالي، وهو الأمر الذي يجعل مسئوليته تجاه شقيقه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان -حفظه الله تعالى – رئيس الدولة أن يكون الساعد الأيمن لسموه في توجيه مسيرة الاتحاد، ويعينه علی اتخاذ القرارات المتعلقة بتطوير آليات الاتحاد، و كيفية تعاون كافة الفعاليات الاقتصادية والتنموية للإمارات، لتتكامل في بناء أساس خلاق، تتعانق فيه رؤية القيادة مع مصالح شعب الإمارات، لكي تستثمر في مشاريع عملاقة مشتركة يكمل بعضها بعضا، و تحافظ على سلامة الاقتصاد الوطني.
ومما لا شك فيه هو أن ثقة صاحب السمو رئيس الدولة -حفظه اللهفي كفاءة نائيه، ونجاحاته في الإنجازات الرائعة التي تحققت تحت قيادته في إمارة دبي تجعله ينتظر منه ما يتكامل معه في الوفاء بحمل الأمانة العظيمة التي تسلمها بعد رحيل مؤسس الدولة، رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته .
إن شعب الإمارات العربية المتحدة مازال ينتظر الكثير من قيادته في تحقیق آماله في التلاحم الاقتصادي، وزيادة الاستثمارات في التعليم، والإسكان والصحة، ووضع النظم، والآليات التي تساعد المواطنين على تأمين الوظائف الملائمة، والتي تتفق مع كفاءاتهم وقدراتهم، وتأمين أسرهم بدخل يتناسب بما من الله -تعالى- على هذه الأرض من خيرات تتضاعف كلما ارتفع سعر البترول.
كما يجب أن يتم وضع خطة للمناهج التعليمية؛ تستوعب احتياجات المجتمع في مختلف التخصصات، حتى لا يضيع المواطن في زحمة الأعداد الهائلة المتعلمة، والمؤهلة بالخبرة، والتجربة من طالبي الوظائف من مختلف بقاع العالم؛ كل منهم يتمنى أن يجد له عملا في دولة تنمو بنسب عالية لم تحدث في بقية المجتمعات العالمية؛ لأنها تنعم بالأمن و الثروة. فهي مطلب گل من يبحث عن عمل لأنها تلبي كل ما يطلبه الإنسان من متطلبات الحياة على أعلى مستوى في الخدمة المتاحة في مختلف مجالات التسوق بعشرات المراكز للتسوق المميز والسياحية. ففي دولة الإمارات والحمد للهامتیازات لا تتوفر مثلها في أية دولة أخرى من دول العالم.
خلاصة القول إن كتاب (رؤيتي) يترجم صورة حية لقيادة شابة، فقد من سموه باتباع تلك الرؤية، وبالإرادة والعزيمة؛ مواجهة التحدي في سبيل تحقيقهاء ليعطي للشباب في دولة الإمارات العربية المتحدة درسا يتطابق مع إنجازات تجاوزت التوقعات؛ كي تكون حافا معنويا لهم في تحقيق أهدافهم، وذلك بالجهد والمثابرة على التحصيل العلمي، واكتساب المهارات التدريب، الذي يكسب المتدرب إضافات مهمة في تخصصه.
إن تلك التجربة الحية تلقي ضوءا ساطعا تسترشد به الأجيال، وتستعين بحكمته في كيفية التفاعل بين القيادة وآلياتها من شباب الوطن المؤمن، والمقتنع برؤية القائد ، فيتفاني في المشاركة برسم معالم تلك الرؤية في إمارة دبي لتنفيذها على الوجه الأكمل.
إن الروح السامية التي برزت في كتاب (رؤيتي)، وما يتعلق بالنظرة الإنسانية، والتعامل مع البشر بمختلف دياناتهم؛ هي امتداد لفلسفة مؤسس هذه الدولة -رحمه الله – فاستقى من مدرسته كل أبناء الوطن ممن أحبه بإخلاص وسار على دربه و آمن منهجه. وستظل دولة الإمارات العربية المتحدة -إن شاء الله- واحة الأمان لكل الناس، تستظل بظلها مختلف الثقافات والأعراق الإنسانية، وتتعانق في مشهد رائع يؤكد للعالم وحدة الانتماء، ولكل جعل الله له شريعة و منهاجا، تمشيا مع قوله تعالى:«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»