الحلقة التاسعة من كتاب “ومضات على الطريق العربي” للمفكر العربي علي محمد الشرفاء

0

في الحلقة التاسعة من كتاب “ومضات علي الطريق العربي ” للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، وهو عبارة عن دراسات ومشاريع وحلول لواقع المستقبل العربي في القرن الواحد والعشرين يتحد ث المؤلف في الجزء الثاني من الفصل السادس عن خطاب مفتوح لكل القادة العرب موضحا وناصحا لهم أن الركون إلى أمريكا وطلب المساعدة منها لحل القضية الفلسطينية لن يجدي نفعا ، وأن علي العرب أن يتحدوا ويخلصوا النية ويتخذوا موقفا موحدا إزاء ما تقوم به كل من إسرائيل برعاية أمريكية، ويطالب المجتمع الدولي بتنفيذ كل القرارات الخاصة بالقضية الفلسطينية، وتطبيق أحكامها، والوفاء بالتزاماتها بكل عزيمة و تصمیم،  ويضع الكاتب أمام أصحاب القضية بعض الخيارات والحلول أولًا، وأمام العرب ثانيا ليصححوها؛ كي تعود القضية إلى  المسار الصحيح، وإلى نص ما قال وكتب المؤلف

الجزء الثاني من الفصل السادس

خطاب مفتوح إلى كل رئيس مؤتمر قمة عربية

وإزاء الحقائق آنفة الذكر، كيف يمكن لأي إنسان يتمتع بعقل راجح، ويري بعينيه تلك الحقائق أن يتصور – ولو للحظة واحدة – قيام الولايات المتحدة الأمريكية باتخاذ أي موقف لا يتوافق مع الاستراتيجية الإسرائيلية ومصالحها؟

بل إن الأمر يتعدى ذلك؛ حيث إن ما يجري على الساحة الفلسطينية، والعربية من مواقف أمريكا الخجولة تجاه إسرائيل؛ إنما يؤكد أن هناك اتفاقا ضمنا بينهما على لعب الأدوار بأشكال مختلفة، ومساومات متعددة، وأوهام لا يحصد منها الفلسطينيون غير الإحباط، وضياع الأرض في كل يوم يمر؛ بينما الاحتلال الإسرائيلي يرزح على صدورهم بكل بشاعته وجرائمه و قسوته.

لكن أصحاب القضية، والقيادات العربية، التي تشاهد صور الموت، والدمار في نشرات الأخبار، وكأن الأمر لا يعنيها، وكأنما القلوب تحجرات، والعيون فقئت، والأبصار غمیت، فلا يملكون غير بيانات تخلو من الجدية، و كلمات فضفاضة فقدت معانيها، وأوهام يخدعون بها الأسري، والجياع، والجرحى، واليتامی، والثكالی.

إن استمرار التحايل على حقائق الأمور، سوف يبقى العرب في دوامة لن تتوقف، وهو الأمر الذي يساعد إسرائيل على سلب أكبر قدر ممكن من الأرض الفلسطينية؛ لتواجه العالم بالأمر الواقع، و بذلك تنتقل القضية الفلسطينية من البحث عن إيجاد حل للحقوق الفلسطينية، إلى بروز مشكلة جديدة، وهي كيف سيعالج العالم مشكلة المستوطنين الذين تجاوزت أعدادهم الملايين من عدد سكان الأراضي العربية ؟ عندئذ تدخل القضية في نفق مظلم جدید بعد أن توالت عليها المحن، وتضيع الأرض للأبد.

وكل ذلك نتيجة للمناورات المستمرة في استخدام مصطلحات سياسية متعددة و غير مثمرة؛ بدأت من مشاورات خارطة الطريق، إلى لقاءات متعددة تحت الرعاية الأمريكية في الولايات المتحدة بين القيادات الفلسطينية والإسرائيلية، إلى مبادرات السلام العربية، إلى مفاوضات غير مباشرة.

وكل مناورة جديدة تتعاقب عليها السنون، وبالتوازي تتسارع وتيرة بناء المستوطنات على الأرض الفلسطينية، تحت سمع و بصر السلطة الفلسطينية، والأمة العربية و المجتمع الدولي ؛ الذي – مع الأسف- يتابع بإعجاب نجاح التوسع الإسرائيلي في الأرض المحتلة، وقدرة إسرائيل على تضليل أصحاب الحق، و استمرار التلاعب بالألفاظ بدون أن يتم تحديد موقف واضح محدد بزمن؛ يتم فيه حسم المماطلات، لتواجه إسرائيل التزاماتها الدولية بتنفيذ القرارات الدولية.

وعليه فيجب أن نبحث كيف نعالج الموقف، وكيف نقتلع الحقيقة من تراكمات مشاريع التسوية، لنضعها أمام أصحاب القضية أولًا، وأمام العرب ثانيا ليصححوها؛ كي تعود القضية إلى المسار الصحيح؛ وذلك للأسباب الآتية:

 أولًا: إنه من واقع الأحداث التاريخية السابقة، والوقائع الحالية على الأرض، ومن دراسة الاستراتيجية الإسرائيلية وأهدافها في سلب الأراضي الفلسطينية بالكامل، فإن كل ذلك يهدف إلى تحويل الرأي العام العربي و الدولي لكي تتمحور القضية في البحث عن طريق للسلام. بينما الحقيقة الواضحة من الممارسات الإسرائيلية؛ هي أن دولة إسرائيل دولة محتلة، وأن عليها الانسحاب من الأراضي الفلسطينية حسب قرار مجلس الأمن 4242 وهي الأراضي التي احتلتها سنة 1967، وعليه يجب أن يكون الموقف الفلسطيني والعربي هو التمسك بهذا القرار، و المطالبة بتنفيذه أولا حتى يتحقق الانسحاب، وقيام دولة فلسطين بكامل السيادة، وذلك قبل الدخول في مباحثات السلام.

ثانيًا: يتبع ذلك المرحلة الثانية؛ أي مرحلة ما بعد الانسحاب الكلي حسب قرار مجلس الأمن رقم 242؛ وحينذاك تبدأ المفاوضات في البحث عن شيل السلام بين دولتين ذات سيادة، لوضع صيغة تعايش وتعاون تحقق الأمن بينهما، ولا يمنع في الفترة الانتقالية وجود قوات من الأمم المتحدة في الحدود السياسية الفاصلة بينهما للمراقبة، ومنع التعديات من أي طرف.

ثالثًا: إنه من العبث استمرار الفلسطينيين والعرب ؟ وهم يدورون في دوامة لا تتوقف منذ سنة 1967. ثلاثة وأربعون عاما والأمة العربية تدور في حلقة مفرغة، وتتعاقب عليها الأيام والسنون، وكل فترة يأتي الإسرائيليون باقتراح جدید، يبعدنا عن مسار القضية الحقيقي إلى درجة أنهم استطاعوا أن يقسموا العالم العربي إلى فريقين المعتدلون والرافضون، علما بأن كلا الفريقين ليس مستعدا للتنازل عن القضية الفلسطينية والحقوق الفلسطينية، لكن الهدف الإسرائيلي هو تمييع القضية، وبناء خلافات و سدود نفسية بين العرب تمنعهم من الاتفاق على خطة واحدة تطالب بإلزام الأمم المتحدة، ومجلس الأمن بتطبيق قراراتهما، والتي تقضي بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها إسرائيل.

رابعًا: إن ادعاء إسرائيل بالبحث عن الأمن لنفسها – اعتمادا على ما بينها و بين الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاقيات استراتيجية واقتصادية، وتأكيدات كل الرؤساء الأمريكيين على دور الولايات المتحدة في حماية أمنها، والقضاء على من يهددها لأن أمنها مهدد؛ ما هو إلا محاولات لتحويل الأنظار، والهروب إلى الأمام حتى تتحلل من الالتزامات الدولية.

وقد أكد ذلك الرئيس أوباما في خطابه في جامعة القاهرة؛ حينما قال إن الولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة بأمن إسرائيل. فهل يوجد أبلغ من هذا الإقرار؟ وهل يمكن أن نصدق أن الولايات المتحدة الأمريكية وسيط نزيه؟ وهي في الوقت نفسه شريكة في حماية أمن إسرائيل، والمسئولة عن تطويرها العسكري والاقتصادي على حساب دافعي الضرائب من المواطنين الأمريكيين.

خامسًا: يجب قيام الجامعة العربية ووزراء خارجية الدول العربية بطلب عقد جلسة خاصة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن من أجل اتخاذ الإجراءات القانونية والعملية بإلزام دولة إسرائيل بتطبيق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وأن عدم الاستجابة لذلك يعني تخلي مجلس الأمن عن التزاماته الدولية، وعدم احترامه لقراراته. كما أن ما قامت به الولايات المتحدة والدول الغربية من غزو واحتلال للعراق، وأفغانستان تحت مظلة قرارات مجلس الأمن يعد اعتداء صار ما على ميثاق الأمم المتحدة، واعتداء على دولة ذات سيادة تربطها مع الدول العربية اتفاقية دفاع مشترك ؛ إنه اعتداء بدون مبرر قانوني، ولا يوجد في ميثاق الأمم المتحدة أية مادة تعطي الحق لأية دولة، أو دول مجتمعة بشن حرب علی دولة ذات سيادة، وما أحدثته من تدمير، وإبادة للشعب العراقي، وما قد نتج عنه من ملايين اللاجئين في كل دول العالم، وما ترتب على ذلك من انهيار كامل لدولة ذات سيادة، ذنبها أنها هددت إسرائيل في إبريل 1991 بإمكانية القدرة الكيميائية العراقية على تدمير نصف إسرائيل، فكانت النتيجة بفضل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا – صياغة مؤامرة تدمير العراق.

وقد تم اختلاق مبررات كاذبة – برغبة ملحة من دولة إسرائيل – حول وجود أسلحة تدمير شامل في العراق، وأن العراق يهدد أمن دولة إسرائيل ولغرض إزالة كل احتمال مهما تضاءل قد يسبب إزعاجا لاستقرارها، و انتقاما لما حدث قبل أربعة آلاف سنة، عندما دمر القائد العراقي نبوخذ نصر إسرائيل فأصبحت تلك الحادثة أحد أسباب إقناع إسرائيل للولايات المتحدة الأمريكية بأنه قد يحدث لهم مثلها مستقبلا.

فإذا كان ما حدث للعراق من تدمير وإبادة بسبب تصريح الرئيس العراقي بتدمير نصف إسرائيل، فما المنتظر من إجراءات تعسفية، وتدميرية للجمهورية الإيرانية؛ التي صرح رئيسها بأنه لابد من زوال دولة إسرائيل بالكامل، وما يجري على المسرح الدولي من ادعاءات حول الملف النووي الإيراني؟ إنها المبررات نفسها التي سبقت غزو العراق، الفيلم نفسه، و صورة متطابقة بدأت في العراق بذريعة إخفاء أسلحة الدمار الشامل، وأعقبتها العقوبات الدولية، وتبعها الغزو.

وقد تتكرر المسرحية؛ فصولها، وممثلوها، والكومبارس أنفسهم الذين شاركوا في تدمير دولة شقيقة؛ سيشتركون في تدمير دولة إسلامية ارتبطنا معها بتاريخ مشترك.

سادسًا: إذا استمرت القضية تسير في مسار لم يتغير عن مسارها السابق، حيث غرقت في كم هائل من التحايل على قرارات المجتمع الدولي بأساليب لا أخلاقية، واستغفلت عقول القيادات العربية، واستغلت عدم وجود استراتيجية عربية محددة الأهداف، واضحة المعالم صادقة القصد مؤمنة بحق الشعب الفلسطيني في الحياة، والوجود، واستعادة أرضه، عندها ستبقى إسرائيل اللاعب الوحيد في الميدان الإقليمي والعالمي؛ تتلاعب بالألفاظ، وبتبديل المواقف، وبالاستغلال البشع للتناقضات العربية لتحقيق مآربها.

فما نحتاجه اليوم هو صرخة فلسطينية مدوية (واعروبتاه) تهز الضمير العربي، وتوقظه من سباته ليصحو بعد غفوة طالت، وآمال خابت؛ لتتحقق على أرض الواقع وليعيد تصحيح البوصلة، ويحدد مساره نحو قرارات دولية صدرت لصالحه، ويطالب المجتمع الدولي بتنفيذها، وتطبيق أحكامها، والوفاء بالتزاماتها بكل عزيمة و تصمیم.

لذا، يتطلب الموقف وقفة شجاعة لمواجهة الواقع، ولرفع الظلم عن الحقوق العربية، ومن أجل تنفيذ ذلك يتطلب الأمر دعوة الجامعة العربية، وكذلك دول منظمة المؤتمر الإسلامی، لعقد مؤتمر مشترك من أجل مناقشة بند واحد في أجندة المؤتمر وهو:

تعلن الدول العربية، ودول منظمة المؤتمر الإسلامي الامتناع عن تنفيذ أي قرار يصدر من مجلس الأمن؛ ما لم يتم إلزام إسرائيل بتطبيق كافة قرارات مجلس الأمن الصادرة بشأن الانسحاب من الأراضي المحتلة والخاصة بحقوق اللاجئين، وعلى الأخص القرار رقم 242).

وبهذا الإعلان ستتخذ الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك الدول الغربية موقفا ليس لهم خیار فيه، وذلك بسبب تماسك و تضامن و قوة الموقف السياسي العربي والإسلامي، و الذي التزم بتنفيذ قرار مجلس الأمن.

لقد آن الأوان لرفع الهامات، وأن نخلع لباس الذل والهوان، ونوقف الظلم الذي خل على أمتنا العربية قبل أكثر من ستين عاما، ونرفض ازدواج المعايير في تنفيذ قرارات مجلس الأمن، والذي كما يبدو أصبح آلة لتنفيذ استراتيجية العدوان والظلم لصالح إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية.

Leave A Reply

Your email address will not be published.