الحلقة السادسة من كتاب “ومضات على الطريق العربي” للمفكر العربي علي محمد الشرفاء
في الحلقة السادسة من كتاب”ومضات علي الطريق العربي ” للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، وهو عبارة عن دراسات ومشاريع وحلول لواقع المستقبل العربي في القرن الواحد والعشرين يطالب الكاتب في الجزء الأخير من الفصل الرابع الدول العربية ورؤساءها وحكامها وقادتها بالقيام بدورهم إزاء حماية الأمن القومي العربي الذي شهد وقائع مخزية يندي لها الجبين وراح ضحيتها أبرياء من شعوب المنطقة العربية مشيرا إلي ضرورة إعادة صياغة ميثاق الجامعة العربية؛ بحيث يتضمن بكل وضوح مجموعة من المقترحات اوردها في ثنايا مقاله للأخذ بها وإلي تفاصيل ما سطر الكاتب.
يبدو أن الجميع اتفق على أن تستمر فصول المسرحية، ليستمتعوا بصور المأساة، وآثارها المدمرة على الشعب العراقي واقتصاده، و على القضاء على التضامن العربي الذي تشتت من جراء تلك المحنة. فأين كان الأمن العربي من تلك الكارثة ؟ وأين الرؤية، والوعي المسئول الاستشراف المستقبل، وما يمكن أن تتول إليه الأمور، وما وصلت إليه؛ بأن يظل شعب العراق منهارا اقتصاديا، وأن يتساقط عشرات الآلاف من أطفاله، وأن تستباح سيادته، ويوضع تحت الوصاية، وكان ذلك الأمر لا يعني الدول العربية؟
ألم تتصور أي من الدول العربية أن ما يحدث للعراق يمكن أن يحدث في مكان آخر؟ وها قد حدث فعلا حصار ظالم لشعب بأكمله في ليبيا؛ بدون أية مبررات قانونية، أو أسباب منطقية، اللهم إلا استمرار ضرب القدرات العربية وتحطيم معنويات أبنائه؛ حتى يستسلم ويرضخ؛ ليقبل بكل إملاءات إسرائيل.
ألم تتصور الدول العربية أنها طالما سمحت لقوى الهيمنة بوضع العراق تحت الوصاية الدولية، يمكن أن توضع أية دولة أخرى في العالم العربي تحت الوصاية أيضا؟ فكما يقال: (إذا شرح للذئب بدخول مزرعة الغنم، سيأتي عليها، واحدا تلو الآخر).
تاسعا: أختتم سرد الأحداث، بالكلام عن الطامة الكبرى، وما يحدث في فلسطين المغتصبة من سقوط الشهداء. فكلما أشرقت شمس تنهمر دموع الأرامل حزنا على فراق عزیز، وكلما غربت شمس تدك إسرائيل بكل أسلحتها الثقيلة منازل الأبرياء بدون وازع أو ضمير، والعالم يستمتع كل يوم بمشاهد قوافل الشهداء ؛ يحملها إخوانهم إلى مثواها الأخير، لكن لا حول لهم ولا قوة. أما الصمت العربي فيترجمه الغرب بعدم المبالاة، طالما أن من يدعون أنفسهم بالأشقاء لا يأبهون بما يحدث، غير بعض الاستنكار في حالة اجتماع القمم العربية.
وهكذا فإننا اليوم نعيش في عصر يتحمل فيه الضحية مسئولية العنف بينما يبقى القاتل المدجج بالسلاح يبحث عن الأمن، ورد ادعاءاته معظم دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وتطالب بوقف العنف الفلسطيني، كما تطالب الدول العربية بالضغط على أبناء القتلى؛ لأنهم تسببوا في ذلك، ويحملونهم المسئولية. إنه منطق الظالم الذي لا يجد من يقف أمامه ؛ يقابله منطق الضعف، والانهزام، و الإحباط الذي يعيشه المواطن العربي. فأين هو الأمن القومي العربي من هذه الطامة؟
إذن أعود فأسأل:
ماذا يعني مصطلح الأمن العربي؟ هل أننا ندرك معناه؟ وهل نعرف متطلباته؟ وهل نحن فعلا أمة واحدة تربطنا مصالح و احدة مشتركة؟ هل ندرك أن أي خطر يهدد أحدنا هو خطر يهدد الجميع ؟ هل وظفنا قدراتنا الاقتصادية الخدمة مصالحنا المشتركة؟ هل أوجدنا منظومة أمنية تدافع عن مصالحنا المشتركة، وتحمي دولنا مما يهددها من أخطار؟ هل يكفي أننا نتحدث اللغة العربية؛ لكي نجتمع تحت ظلها؟
أعوام كثيرة مضت، ولم تستطع لغتنا الجميلة أن تبعث فينا العزيمة والإرادة؛ بل إنها اليوم بدأت تترنح تحت وطأة حركة التغيير والتطور.
إن القيادات العربية اليوم مدعوة إلى التفكير بعمق وموضوعية ورؤية جديدة تميز بين القول والعمل. رؤية تدرك أن الزمن أغلى شيئا في عمر الأمم، ولا بد من استغلال الوقت؛ كي لا تفوت الفرصة ويقع المحظورة فدول العالم في سياق محموم، وتنافس رهيب، وصراع اقتصادي؛ بدأ يأخذ أشكال تكتلات اقتصادية دولية، وتكتلات لشركات عالمية؛ لتكون لهم القدرة على المنافسة، و على الحفاظ على تأمين الحد الأدني لشعوبها من الحياة والمدنية .
فأين الأمة العربية من ذلك، وهي التي لديها كنوز و خیرات و ثروات، لكنها لم استثمر وولف في خدمة أبنائها؟
لذا؛ فإن القيادات العربية يجب أن تدرك أن الأخطار تحيط بها من كل جانب، وأن وقوع إحدى الدول العربية تحت سيطرة العدوان لا يعني أن بقية الدول العربية ستكون في مأمن منه، وأن سياسة العولمة ستجر على شعوب الأمة العربية مآس و كوارث؛ إذا لم يتحدد مفهوم جديد، وروابط عميقة لأهمية العلاقات العربية – العربية، والتزام واضح فيما بينها؛ لبناء قاعدة جديدة تؤس عليها مفاهيم جديدة أساسها العلاقات الاقتصادية التي تربط مصالح الشعوب العربية؛ لتصل بعدها إلى الشعور بمسئولية الأمن المشترك من أجل البقاء، عندها ستدرك القيادات العربية أهمية إيجاد منظومة أمنية تحمي مصالحها مما بهادها من أخطار وإجراءات قد تصل بعض الأحيان إلى فرض وصاية على أهم ثرواتها، و هو البترول، حيث تستطيع القوة المتحكمة اقتصاديا في العالم أن تفرض أوامرها على الدول المنتجة للبترول سعرا محددا، أو تفرض مقاطعة على الدول التي لا تنصاع لقراراتها؛ وما يترتب على ذلك من آثار سلبية على خطط التنمية، وما يعقبها من مشاكل اجتماعية تؤثر على الجبهة الداخلية للدول العربية.
فلتكن وقفة يتم فيها تحكيم العقل والرؤية، لإعادة النظر في مسيرة التضامن العربي، الذي أصبح اليوم مجرد شعار؛ خال من أية أسس، أو آليات تدعمه، وحول قرارات مؤتمرات القمة إلى إجراءات عملية تكون لها نتائج مؤثرة على سير الأحداث.
لذا فإن الأمر أصبح من الخطورة، بحيث يتطلب أن تقوم الجامعة العربية فورا بإعداد استراتيجية العمل العربي المشترك لوضع أسس علمية مدروسة تستوعب مطالب الجماهير العربية على امتداد الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه . فقد أدركت هذه الجماهير بوعي لا تنقصه الرؤية بأن الأمن العربي هو القاعدة الأساسية، و الركيزة الأولى التي يجب أن يقوم على أساسها التضامن العربي، ويتحدد في إطاره- أسلوب العلاقات العربية، لأنه السياج الذي سيحتمی مستقبل الدول العربية، ويحفظ لها سيادتها، ويحمي ثرواتها، ويجعل دول العالم تحترم قراراتها.
إن ما ذكرته من أحداث مأساوية مرت على الأمة العربية كان من أهم أسباب التردي، والهزائم المتلاحقة التي حلت بالأمة؛ بسبب عدم وضوح الرؤية فيما تؤمن به كل الأنظمة العربية، وهو أن وحدة المصير تحتم علي الدول العربية أن تدرك أن لا ملجأ لأمتنا إلا بتشكيل منظومة أمنية تهيئ لها أسباب النجاح، بحسن تنظيم وإعداد وتنسيق؛ لتستطيع حماية حقوقها، ومواجهة التحديات.
ومن أجل الوصول إلى ذلك الهدف الاستراتيجي يجب إعادة صياغة ميثاق الجامعة العربية؛ بحيث يتضمن بكل وضوح ما يأتي:
1. احترام خصوصيات كل دولة عربية، فلكل منها طبيعة، وثقافة، وعادات تجري في عروق أبنائها جيلا بعد جيل.
2. تلتزم الوسائل الإعلامية لكافة الدول العربية بميثاق شرف پستهدف عدم التعرض لأية دولة منها بالنقد أو بالتشهير؛ لأي سبب من الأسباب.
3. تلتزم الدول العربية بأن تؤمن بعقيدة راسخة أن أمن أية دولة عربية، هو أمنها جميعا، وأن ما يهدد أية دولة – سواء كان حصارا أو عملا عسكريا يعد تهديدا للدول العربية جمعاء.
4. تكلفت القيادات العربية، أمين عام الجامعة العربية باتخاذ الإجراءات الآتية:
أ. دعوة وزراء الدفاع ورؤساء الأركان القيام بإعداد استراتيجية ؛ تهدف الإنشاء حلف دفاعي يضع في حسبانه المسئولية عن حماية أي قطر عربي يتعرض أمنه للتهديد، على أن تعرض هذه الاستراتيجية في أول اجتماع قمة عربي لإقرارها، واعتماد الآليات التنفيذية لها، وتأمين الالتزامات المالية أيضا.
ب. تكليف وزراء الخارجية لتقييم العلاقات العربية مع الولايات المتحدة الأمريكية على أساس مواقفها من مصالح الأمة العربية، و كيفية وضع أسس مشتركة تجعل الولايات المتحدة تحترم إرادة الأمة وحقوقها على أساس المعاملة بالمثل، واتخاذ ما يتطلبه ذلك من وسائل لبناء علاقة متوازنة؛ يحترم فيها كل طرف حقوق الطرف الآخر.
ت. دعوة وزراء الاقتصاد والمالية والنفط لإعداد خطة اقتصادية لبناء علاقة استراتيجية مع أوروبا، وصولا بها إلى تأسيس شركات مشتركة يتحقق بها مردودا اقتصاديا لصالح أوروبا والعالم العربي آخذين في الحسبان أن العلاقات التاريخية بين العالم العربي وأوروبا، و قربهما الجغرافي من بعضهما يحتم إعادة النظر في تعميق العلاقات الاقتصادية؛ لتكون أوروبا الشريك الاستراتيجي للعالم العربي في القرن الواحد والعشرين.
ث. إن انهيار الاتحاد السوفيتي ترتب عليه تأثير خطير في الموازين الدولية، وهو الأمر الذي أدى إلى تحكم القطب الواحد، ومن يتحكم في إدارته، وهو العدو الصهيوني الذي يوظف العالم كله في خدمة مصالحه، وتحقيق أهدافه. ولكم وقف الاتحاد السوفيتي مواققا تدعم الحق العربي، وتساعده على تأمين احتياجاته من السلاح؛ فلقد كان الصديق عند الشدة، واليوم فإن روسيا الاتحادية تنظر بكل ترحاب إلى الاستثمارات العربية، وما يمكن أن يؤدي إلى تزاوج القدرات المالية العربية، والإمكانيات العلمية في روسيا إلى تحقيق مصالح مشتركة تضيف للأمة العربية رصيدا قويا يعينها في أوقات الضرورة.
تلك أمنيات و خواطر صادقة مخلصة، علها تصل إلى عقول أن الله لها أن تعي ما يخبئه لها المستقبل، و قلوب تستوعب مشاعر أبناء الشعب العربي وتتعايش معهم، ودعائي للباري -عز وجل- أن يجعل قيادات الأمة العربية تدرك أن الزمن ليس في صالحها، وأن النوايا العدوانية المبيتة تم تنفيذها وفق مخططات تعتمد أساسا على التشتت العربي، وعلى صراع الدول العربية فيما بينها؛ لتنفيذ أدوار اقليمية ودولية تزيد من القدرات المالية المكدسة في وول ستريت في نيويورك أكبر مركزا ماليا عالميا للصهاينة، وأن تتمكن هذه القيادات من تنفيذ قرارات مضي عليها أكثر من خمسين عاما، وهي مكدسة في الأدراج، وكان الله في عون أمتنا.